رأي آخر

قراءة في غياب القادة العرب وتداعيات الانقسام العربي على القضية الفلسطينية


في ظل تصاعد الأزمات الإقليمية والدولية، عُقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد بتاريخ 17 مايو 2025، حاملة آمالًا واسعة بتحقيق اختراق في جدار الصمت العربي تجاه القضايا المصيرية، وفي مقدمتها العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

غير أن ما بدا واضحًا منذ لحظة الافتتاح هو غياب رمزي صارخ عكس هشاشة التضامن العربي وانقسامه: غياب أكثر من سبعة رؤساء وملوك وقادة عرب عن الحضور الشخصي.

الغياب السياسي ودلالاته

إن عدم مشاركة قادة دول محورية كالمملكة المغربية، الجزائر، الأردن، لبنان، سلطنة عمان، السودان وسوريا، وموريتانيا ، يكشف عن فجوة كبيرة في الإرادة السياسية الجماعية العربية، ويشير إلى أزمة ثقة متفاقمة بين الأنظمة العربية، بل وتراجع فعلي في مكانة العمل العربي المشترك.

فالقمة التي من المفترض أن تكون ساحة لتوحيد المواقف وتفعيل القرارات، تحوّلت إلى مناسبة بروتوكولية خالية من الفاعلية، تمثل فيها الدول الغائبة بمستويات دنيا من التمثيل السياسي.

بين الشعارات والمواقف الواقعية

رغم شعارات “الحوار والتضامن والتنمية” التي وُضعت عنوانًا للقمة، إلا أن الواقع السياسي العربي يشي بعكس ذلك.

فبينما يواجه الفلسطينيون حربًا إباديّة موثقة ومستمرة منذ أكثر من سنة وستة أشهر، غابت عن قمة بغداد مواقف سياسية جادة أو التزامات واضحة من معظم الزعماء العرب، سواء من حيث تقديم الدعم المباشر أو الضغط على الأطراف الدولية المؤثرة.

وهذا يعزز الرؤية القائلة إن ما ينتج عن القمم العربية غالبًا ما يراوح مكانه في إطار البيانات الختامية دون أي أثر تنفيذي ملموس.

الحاجة الملحّة لوحدة القرار العربي

في الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون لأسوأ كارثة إنسانية في تاريخهم المعاصر، يلوذ العالم العربي بالصمت أو بالتراشق السياسي الداخلي، ما يفرغ فكرة “التضامن العربي” من محتواها.

بل إن الانقسام العربي حرم القضية الفلسطينية من ظهير عربي موحّد قادر على فرضها على جدول الأعمال الدولي كقضية مركزية، وليس هامشية أو مؤجلة.

وبينما يزداد الواقع الجيوسياسي تعقيدًا، خاصة مع التغيرات في مواقف بعض الدول العربية تجاه التطبيع، فإن القمة التي كان يُفترض أن تكون منصة لتجديد الالتزام العربي تجاه الحقوق الفلسطينية، تحوّلت إلى مرآة عاكسة لتراجع هذا الالتزام، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل وعلى مستوى الفعل السياسي العربي المشترك.

خلاصة: نتائج متواضعة لقمة باهتة

من منظور موضوعي، يمكن القول إن قمة بغداد الرابعة والثلاثين لم تفشل فقط في جمع القادة العرب ماديًا تحت سقف واحد، بل فشلت رمزيًا في أن تكون نقطة تحوّل أو لحظة وعي جماعي بضرورة إعادة تعريف الأولويات العربية.

وفي ظل هذا التشرذم، ستبقى نتائج القمة – إن وجدت – محدودة الأثر، خاضعة للتوازنات الداخلية والخارجية، دون أن ترقى إلى مستوى التحديات الكبرى التي تواجه الأمة العربية، وعلى رأسها العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني.

رئيس التحرير


زر الذهاب إلى الأعلى