رأي آخر

التنابز الشرائحي في موريتانيا: قنبلة دخانية تهدد نسيج المجتمع

بقلم: عبده ولد الخطاط / بتصرف

في ظل تصاعد وتيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تشهد موريتانيا مؤخرًا موجة خطيرة من الخطابات الشرائحية والعنصرية، والتي باتت تُستخدم كأداة لتفتيت الوحدة الوطنية وتشتيت انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية. هذه الظاهرة ليست سوى قنبلة دخانية، تخفي خلفها واقعًا مؤلمًا من التهميش، والبطالة، وارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات الأساسية.

التنابز الشرائحي: جريمة يجب أن تُجرم

إذا كنا نُجرم تجارة المخدرات ونعتبرها خطرًا على العقول والمجتمع، فإن خطاب الكراهية والتنابز بين الشرائح لا يقل خطرًا، بل هو نار صامتة تُحرق القيم، وتُهدم أسس التعايش، وتنذر بانفجار اجتماعي لا تُحمد عقباه. فالتنابز الشرائحي يُغذي الأحقاد، ويُعزز الانقسام، ويُفقد المجتمع تماسكه.

الإسلام والهوية الوطنية ضد العنصرية

المجتمع الموريتاني مجتمع مسلم بنسبة 100%، ويتقاسم أبناؤه تراثًا دينيًا وثقافيًا مشتركًا. فلماذا يُصر البعض على النفخ في رماد الفوارق الاجتماعية وتحويل التنوع البنّاء إلى صراع هدام؟ ولمصلحة من تُثار هذه النعرات في وقت نحن أحوج فيه إلى الوحدة والتكاتف؟

التهميش.. واقع مرير لا يستثني أحدًا

الحقيقة المُرة أن التهميش يطال جميع مكونات المجتمع بدرجات متفاوتة، وليس حكرًا على شريحة دون أخرى. ومن المؤسف أن تتحول قضايا العدالة الاجتماعية إلى سلعة في سوق المزايدات السياسية، تُستغل لكسب التأييد، أو جذب التمويلات الخارجية، تحت شعارات زائفة لا تسمن ولا تغني من جوع.

خطابات التفرقة.. أداة إلهاء لا أكثر

تحولت بعض المنابر إلى ساحات للتنمر والسب والشتم باسم الدفاع عن “المهمشين”، بينما الواقع يُشير إلى أن ما يجري هو توظيف سياسي مفضوح لمعاناة الناس، لصرف الانتباه عن أزمات أكثر إلحاحًا، كغلاء المعيشة، وتردي الخدمات الصحية، وانتشار النفايات، والأدوية المغشوشة.

الحل؟ دولة قانون تجرم خطاب الكراهية

لا بد أن تتبنى الدولة موقفًا حازمًا تجاه كل خطاب يمس من كرامة أو حقوق أي شريحة أو قبيلة. يجب تعزيز ثقافة الوحدة، وترسيخ مبدأ العدالة، وتفعيل القانون لوقف فوضى التنابز الشرائحي، حتى لا يتحول الوطن إلى غابة يتصارع فيها الجميع على خلفيات عرقية واجتماعية.


خلاصة القول: إن إشعال الفتن بين مكونات المجتمع الموريتاني ليس سوى قنبلة دخانية تُستخدم لصرف الأنظار عن الأزمات الحقيقية. وعلى الجميع — دولة ومجتمعًا — أن يتكاتفوا لمحاصرة هذا الخطر، وتجريم التنابز الشرائحي كما نُجرم المخدرات، إن كنا نرغب حقًا في وطن موحد، عادل، وآمن.


زر الذهاب إلى الأعلى