تكنولوجيا

وهم الذكاء الإصطناعي وعجزه عن تعويض العقل البشري

في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة قد توهم البعض بأنها قادرة على تعويض العقل البشري في مهامه الأكثر تعقيداً، من تحليل النصوص إلى البحث والاستقصاء. لكن السؤال الحقيقي لا يكمن في مشروعية استخدام هذه الأداة، بل في كيفية استخدامها، ومدى وعي مستخدمها بطبيعتها وحدودها.

فالذكاء الاصطناعي، مثل القلم أو الحاسوب، ليس سوى وسيط محايد؛ لا يحمل قيمة ذاتية في ذاته، وإنما يستمد فعاليته وخطورته من يد من يستخدمه. ليس الأداة هي التي تُخطئ، بل الجهل بها هو الذي يقود إلى الزلل. إن المشكلة لا تكمن في وجود التقنية، بل في الغفلة عن طبيعتها، وفي الانبهار السطحي بقدراتها، دون مساءلة أو وعي نقدي.

ما يدعو للقلق حقاً هو هذا الخطاب المتفائل المفرط، الذي يروج للذكاء الاصطناعي وكأنه كائن خارق بلا حدود، قادر على أن يُغني الإنسان عن التفكير، والباحث عن التمحيص، والمبدع عن التأمل. هذا التصور الساذج لا يُقصي فقط ضرورة الفهم، بل يفتح الباب على مصراعيه لأخطاء كارثية، ناجمة عن غياب إدراك لمفاهيم جوهرية مثل «الهلوسة المعلوماتية»، و«انعدام المرجعية»، و«قصر عمر البيانات».

إن من يستخدم هذه التقنية دون أن يتسلح بوعي نقدي نابه، أشبه بمن يقود مركبة سريعة في ليل حالك دون مصابيح. الذكاء الاصطناعي ليس عصا سحرية، بل منظومة معقدة من الاحتمالات والنماذج والقيود. وكل من يتعامل معه وكأنه نبوءة معصومة، يسقط حتماً في فخ الخداع، حيث يبدو الخطأ وكأنه حقيقة، ويصبح الزيف قابلاً للتصديق.

في نهاية المطاف، ليست المسألة في أن نستعمل الذكاء الاصطناعي أو نرفضه، بل في أن نفهمه قبل أن نعتمد عليه. إن لم نمتلك أدوات الفهم، فستتحول الأداة إلى سيد، والمستخدم إلى تابعٍ لا يدرك أنه يسير خلف سراب.

روائي مغربي/ بتصرف

زر الذهاب إلى الأعلى