هيروشيما 1945: لماذا كانت أول هدف نووي؟

في صباح السادس من أغسطس/آب 1945، سجّلت البشرية لحظة فارقة حين ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية في التاريخ على مدينة هيروشيما اليابانية. لم يكن اختيار المدينة عشوائيًا، بل جاء نتيجة حسابات دقيقة مزجت بين الاعتبارات العسكرية والسياسية والنفسية، كما يوضح الكاتب الفرنسي فينسان جوبير في تقرير نشرته مجلة لونوفيل أوبسرفاتور.
ورغم الانقسام داخل الأوساط العلمية والعسكرية الأميركية آنذاك، بين من طالب بعرض قوة غير مميت أو إنذار مسبق، وبين من رأى ضرورة توجيه ضربة صادمة، مضى البيت الأبيض في تنفيذ قراره. “الصدمة يجب أن تكون قصوى”، كما نُقل عن صانعي القرار الأميركي.
العلماء حاولوا ثني الرئيس
بحسب التقرير، فإن عددًا من العلماء الذين شاركوا في تطوير السلاح النووي حاولوا ثني الرئيس هاري ترومان عن استخدامه ضد اليابان. واقترح بعضهم تنفيذ تجربة تفجيرية في منطقة نائية بحضور ممثلي الأمم المتحدة، لتوضيح القوة التدميرية للسلاح دون إزهاق الأرواح.
حتى الفيزيائي روبرت أوبنهايمر، قائد مشروع مانهاتن، طرح فكرة تدويل التكنولوجيا النووية ومشاركتها مع الحلفاء، بمن فيهم فرنسا الخارجة لتوّها من الاحتلال النازي. من جانبه، اقترح وزير البحرية رالف بارد توجيه إنذار صريح لليابان قبل توجيه الضربة، حفاظًا على صورة الولايات المتحدة كقوة إنسانية.
تجاهل الأصوات المعارضة
لكن هذه التحذيرات لم تلق اهتمامًا لدى صناع القرار في واشنطن، وفقًا لجوبير. وفي فجر يوم السادس من أغسطس، أُسقطت قنبلة “ليتل بوي” على هيروشيما، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص، ودخول العالم فعليًا في العصر النووي. وقد شكل هذا الهجوم منعطفًا حاسمًا ساهم في تسريع نهاية الحرب العالمية الثانية.
لماذا هيروشيما؟
يثير الكاتب تساؤلًا جوهريًا: لماذا اختيرت هيروشيما دون غيرها؟ ولماذا لم تكن طوكيو أو كيوتو هدفًا؟ يكشف جوبير أن النقاش حول الأهداف المحتملة بدأ مبكرًا منذ مايو/أيار 1943، أي قبل توفر المواد الانشطارية اللازمة لصنع القنبلة.
طوكيو ونيغاتا وكيوتو كانت ضمن قائمة الأهداف. وقد استُبعدت كيوتو رغم رمزيتها الثقافية والتاريخية، بناءً على توصية من وزير الحرب هنري ستيمسون، الذي رأى ضرورة الحفاظ على ما وصفه بـ”الجوهرة الثقافية”. أما طوكيو فتم رفض قصفها بالقنبلة النووية لأن عمق المياه حولها لم يكن كافيًا لضمان عدم استعادة القنبلة إن لم تنفجر. كذلك، جرى استبعاد يوكوهاما بسبب دفاعاتها الجوية القوية.
الاعتبارات العسكرية تحسم الاختيار
أخيرًا، وقع الاختيار على هيروشيما، التي وُصفت بأنها مدينة ذات أهمية عسكرية وصناعية كبيرة، وتضم مستودعات عسكرية وميناءً صناعيًا كبيرًا. كما أن طبيعتها الجغرافية، المحاطة بتلال، كانت تعزز من تأثير الانفجار.
وبعد ثلاثة أيام من قصف هيروشيما، أمر ترومان بإلقاء قنبلة ثانية على ناغازاكي، إثر تردد القادة اليابانيين في إعلان الاستسلام. وكانت هناك خطة لقصف طوكيو بقنبلة ثالثة، لكنها لم تنفذ بعد إعلان اليابان استسلامها في 15 أغسطس 1945.
لماذا اليابان دون ألمانيا؟
يُثير الكاتب سؤالًا آخر لا يقل أهمية: لماذا استُهدفت اليابان بالقنابل الذرية دون ألمانيا؟ يوضح جوبير أن الإدارة الأميركية رأت في اليابان عدوًا ملائمًا لتجربة هذا السلاح الفتاك، ووسيلة لتجنب غزو بري مكلف كان من المقرر أن يبدأ في نوفمبر من العام نفسه.
كما أن التنافس المحتدم مع الاتحاد السوفياتي دفع واشنطن إلى الإسراع بإنهاء الحرب، وفرض أمر واقع جيوسياسي قبل دخول موسكو بقوة على خط الصراع في آسيا.
حسابات استخباراتية واختيارات عنصرية؟
يضيف التقرير أن الأميركيين كانوا يتجسسون على الاجتماعات الإمبراطورية اليابانية، وكانوا على علم بأن طوكيو ليست مستعدة بعد للاستسلام. ومع ذلك، فإن الوثائق تشير إلى أن اليابانيين اختيروا كهدف لامتلاكهم قدرة أقل – مقارنة بالألمان – على تحليل التقنية النووية وفهمها إذا ما سقطت القنبلة دون أن تنفجر.
إرث ثقيل وسؤال أخلاقي دائم
بعد 80 عامًا على القصف، لا يزال الجدل قائمًا: هل كان ضرورياً استخدام هذا السلاح؟ وهل كان بالإمكان إنهاء الحرب بوسائل أقل تدميراً؟ يرى الأميركيون أن القنبلة عجلت بالنصر وأنقذت أرواحًا كان يمكن أن تُزهق في معارك طويلة، لكن الثمن الذي دُفع في هيروشيما وناغازاكي يبقى وصمة لا تُمحى في التاريخ الإنساني.