رأي آخر

هل يمكن اعتبار المعركة التي تحضّر الآن بداية لتغيير الشرق الأوسط؟

” من يربح معركة الشرق الاوسط يفوز بالعروس العربية من شرق المتوسط الى البحر الاحمر”

لا يمكن لأي مراقب جاد أن يصدّق أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية تخوضان مغامرة عابرة بالزجّ بإسرائيل، صنيعتهما المدللة، في أتون مواجهةٍ خطيرة مع خصمٍ شرس مثل إيران. فالمعركة، كما يبدو من طبولها ووقودها، قد تطول أكثر مما يتصور بعض المخدوعين بأنها مجرد ضربة أو ردع خاطف، وهي فوق كل ذلك معركة وجودٍ تهدد بقاء إسرائيل نفسها، وتُرغم واشنطن على أن تكون رأس الحربة في اللحظة الحاسمة.

ليست معركة نووية فقط

من السذاجة اختزال ما يجري في قضية «السلاح النووي» وحده؛ فهذه الذريعة ليست سوى شعارٍ تسوّقه الدوائر الغربية لتجميل أهداف أبعد. الحقيقة أن المنطقة اليوم تُدفع قسرًا نحو نظامٍ إقليمي جديد، يكون فيه لإيران مكانٌ محدود أو لا مكان أصلاً. إن تحييد إيران ـ كقوةٍ إقليميةٍ بمخالب ممتدة في المشرق العربي والخليج والبحر الأحمر ـ بات شرطًا لتأمين مساحة جديدة لتوسع الغرب في قلب الأرض العربية، بعد أن استُنفدت خرائط سايكس بيكو القديمة وأوشكت على السقوط أمام المدّ الشعبي والتنافس المحموم على الموارد.

أربعون عامًا من التنافس على الوليمة

لقد كُشف الغطاء: فما بين أربعين عامًا من الاحتواء، والحروب بالوكالة، والأذرع المنتشرة على أطراف الخرائط، تدور رحى صراعٍ واحد: من يستحوذ على إرث الشرق منذ أن ورثت أوروبا تركة العثمانيين، وما تبقى من إرث المماليك وصلاح الدين. المعركة الدائرة اليوم ليست سوى نسخة جديدة من تلك الحرب القديمة، لكنها بوسائل أحدث وسيناريوهات أكثر جرأة: حروب هجينة، تحالفات ملتبسة، حروب سيبرانية وإعلامية. كل شيء مباح في سباق السيطرة على العروس العربية.

هيبة فارس… هل تسقط؟

رغم الحملات والحصار، تظل «هيبة فارس» عصيّة على الانكسار السريع. بل قد تدفع فصول هذه الحرب بعض العرب المتردّدين إلى مراجعة التاريخ، والاصطفاف ولو اضطرارًا مع طهران، إدراكًا منهم لمغزى المثل الشعبي: «اضرب والدي ولا أسمح لغريب أن يضربه.» ذلك أن المسألة، بقدر ما هي حسابات سياسية، هي أيضًا انبعاثٌ لمخاوف دفينة: فهل يُسمح بسحق إيران لتسود إسرائيل منفردة كشرطي جديد للشرق الأوسط؟

رسائل نتنياهو: إيران نمر من ورق

من جانبها، تواصل إسرائيل بعث رسائل ترهيب وترغيب إلى العرب، خاصةً الخليجيين، مفادها أن إيران نمر من ورق، وأن صواريخها ضجيجٌ أكثر منه قوة حقيقية، وأن «نتنياهو» وحده قادر على حماية حدود النفط والغاز وأسواق الغرب. وقد مهدت إسرائيل لذلك بوأد أصوات العرب الذين كانوا غير مستعدين للتصفيق لها. أمّا الشعوب، فما زالت تمسك بكتب التاريخ تقارن بين أعدائها من الأكاسرة والقياصرة، لتكتشف أن الانجرار وراء كراهية الأكاسرة بدد وحدة العقيدة وأضعف جبهة العرب.

معجزة الجزيرة… تذكيرٌ للفرس

ورغم العداء المتبادل، يدرك الإيرانيون أن الجزيرة العربية قبل الإسلام لم تعرف حضارةً تذكر، وأن بزوغ الرسالة فيها كان معجزة غيّرت مجرى التاريخ. وهي حقيقة قد تدفع الفرس إلى إعادة النظر في توازن العداء والاحترام تجاه جيرانهم العرب، إن هم أرادوا العبور إلى مرحلةٍ جديدة في مواجهة الأخطبوط الغربي.

العالم اليوم يراقب الشرق الأوسط من السماء، حيث الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية تكتب الفصول الأولى من خريطة جديدة. فهل تكون هذه المعركة بداية لتغيير جذري في ميزان القوى؟ أم فصلًا آخر من لعبة الأمم تُرسم فيه حدود أخرى، وتوزع فيه المغانم على من يحسن الخداع أكثر؟

«التاريخ لا ينام، ومن لم يتعظ بسقوط من سبقوه، سيسقط ويترك إرثه لمن بعده.»

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى