هل فتحت حماس انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية: كابوس إسرائيل المتنامي؟


سبق السيف العذل في القضية الفلسطينية، وفقًا لتصريح “دانيل بيمان”، الأستاذ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب في جامعة جورج تاون وخبير في العلوم السياسية. تلاشت شرعية السلطة الفلسطينية بشكل لا رجعة فيه، وأصبحت الخيار المسلح للمقاومة الأكثر شعبية بين الفلسطينيين، وذلك بسبب عدم وضوح مستقبل محمود عباس والمشكلات التي تحيط بمسألة الخلافة.
على الرغم من نصائحها لواشنطن بالسعي لإحلال سلام حقيقي ودعوتها لتل أبيب للسيطرة على التوسع الاستيطاني، إلا أنه يبدو أن أي من العاصمتين ليست مستعدة لتنفيذ هذه الإجراءات. وبناءً على ذلك، النزاع المستمر في غزة يمكن أن يفتح الباب أمام موجة احتجاجات جديدة في الضفة الغربية، مما يعني أن قضية فلسطين قد تتغير جذريًا مرة أخرى.
إسرائيل تشهد حاليًا نشوب حرب في قطاع غزة، حيث تستمر قواتها في تنفيذ غارات جوية وهجمات مدفعية. هذا النشاط العسكري أسفر عن فقدان أرواح أكثر من 7300 فلسطينيًا، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. ومع تصاعد التصعيد ضد حماس، يبدو أن إسرائيل تواجه تحدٍ خطير: تمتد أحداث الصراع من غزة إلى الضفة الغربية، وهذا قد يشعل ما يمكن أن يتحول إلى انتفاضة ثالثة.
بعد قصف المستشفى المعمداني، اندلعت احتجاجات عنيفة في مدن كبيرة مثل جنين ونابلس ورام الله وطوباس وغيرها في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، أعلن الفلسطينيون إضرابًا عماليًا في جميع أنحاء المنطقة، في حين شهدنا تصاعدًا في الهجمات الانتقامية من المستوطنين المتطرفين. تم قتل أكثر من مائة فلسطيني في الضفة، وتزايدت الضغوط على السلطة الفلسطينية للتصدي للوضع، ومهمتها في الحفاظ على الأمن تبدو مهمة صعبة ومحورية في مواجهة تدهور شرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التوتر المتزايد في الضفة الغربية يعقد المزيد من التحديات الناشئة من حرب غزة، ويظهر أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يزال ينتظر حلاً واضحًا. على الرغم من أن الكثيرون تجاهلوا أهمية الصراع في السنوات الأخيرة بسبب سلسلة اتفاقيات التطبيع الإقليمية التي أبرمتها إسرائيل مع دول مثل البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة، إلا أن الأحداث الحالية على الأرض تشير بوضوح إلى أن هذه الرؤية ليست واقعية. في فبراير/شباط الماضي، أشرت في مقال لمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إلى أن “التطورات الخطيرة على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تنذر بمشاكل كبيرة في هذا العام (2023)”. وعلى الرغم من عدم توعية الكثيرون بخطورة الوضع في إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن الأدلة تشير بوضوح إلى أن اندلاع انتفاضة ثالثة قد يكون وشيكًا بأعلى مستوى لها منذ سنوات طويلة، وقد تسبب هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول والرد الإسرائيلي في تصاعد هذا الاحتمال.
بين المقاومة والمُهادنة
عام 2004، تولى محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. حدث هذا الانتقال أثناء الانتفاضة الثانية التي اندلعت بين عامي 2000 و2005 وخسرت بشكل تدريجي زخمها. كان عرفات يرى في حركة حماس أحد الوسائل التي يمكن استخدامها في مواجهة إسرائيل. لهذا السبب، سمح لحماس بالتحرك بحرية في البيئة الفلسطينية، تارة لممارسة الضغط على إسرائيل، وتارة أخرى للسيطرة على نشاطها، معتقدًا أنه يمكنه السيطرة على الأمور حسب الحاجة.
ومع ذلك، تطورت حماس بسرعة إلى درجة أصبح من الصعب السيطرة عليها. حصلت الحركة على مصداقية كبيرة بسبب هجماتها المتكررة ضد إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، في حين غمرت السلطة الفلسطينية في الفساد والصراعات الداخلية. محمود عباس لم يمتلك الكاريزما التي كان يتمتع بها ياسر عرفات، ولم تكن لديه شرعية ثورية قوية. هذا الواقع أدى إلى تدهور أكبر في شرعية السلطة الفلسطينية، في حين أصبحت حماس قوة معارضة قوية لحكم عباس.
مع تغير توازنات السياسة الفلسطينية، تراجعت آمال التوصل إلى سلام. انطلق الإسرائيليون بعد الانتفاضة الثانية بمعتقد بأن المزيد من التنازلات والبحث عن السلام لن يسفرا إلا عن المزيد من العنف. من جهة أخرى، اعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل كانت تستمر في الاحتلال والاستيلاء البطيء على الضفة الغربية. عندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، قامت بهذا دون التشاور مع محمود عباس أو أي من قادة الفلسطينيين الآخرين، مما أظهر استهانتها تجاههم. نتيجة لذلك، نجحت حماس في بناء مصداقيتها وأظهرت أن تهديدها بالعنف لا يمكن تجاوزه، وهو ما دفع إسرائيل لسحب قواتها من غزة دون اللجوء إلى المفاوضات. ساعدت مصداقية هجمات حماس وصورتها كمنظمة أقل فسادًا من السلطة الفلسطينية في فوزها في انتخابات غزة عام 2006. وبعد صراع مع السلطة الفلسطينية، استولت حماس على حكم قطاع غزة عام 2007.
منذ ذلك الزمن، تدير حماس قطاع غزة، على الرغم من عدم الاعتراف بسلطتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى. السلطة الفلسطينية تعتبر حماس منافسًا لها، بينما تنظر إسرائيل إليها على أنها عدوتها، وقد تعاونتا في مكافحة الحركة. ومع ذلك، أظهرت حماس مقاومتها، وبفضل جذورها العميقة في غزة، لم تتأثر بالضغوط الاقتصادية المفروضة عليها من قبل إسرائيل أو الهجمات العسكرية المتكررة.
لقد استمر هذا الوضع طوال تلك الفترة، حيث حكمت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكمت حماس في غزة، ورغم أن كل طرف نظر إلى الآخر بريبة، فإن أيًا منهما لم ينجح في إزاحة الآخر.
قادة السلطة الفلسطينية يشعرون بالقلق بشأن شعبية حماس بين الفلسطينيين، وخاصة في الأوقات الصعبة مثل الوضع الحالي، حين تصبح حماس محور اهتمام الشعب الفلسطيني. تزعم منظمات حقوق الإنسان أن السلطة الفلسطينية تستخدم أساليب مثل التعذيب والاعتقالات التعسفية لقمع أنصار حماس. ووفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، فإن السلطة تمارس الضغوط وتهديدات ضد عائلات خصومها السياسيين، الذين يعتبرون السلطة مجرد امتدادًا للاحتلال الإسرائيلي. بالنسبة لأولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية، يعتبرون خيار تأييد حماس أو تواطؤ السلطة الفلسطينية لا يحتاج إلى تفكير طويل.
خلافة محمود عباس
الوضع في الضفة الغربية كان متوتراً قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. انتشرت مشاعر الغضب بين الفلسطينيين نتيجة الاحتلال الإسرائيلي المستمر والتوسع في بناء المستوطنات وحملات طرد المدنيين من بيوتهم على يد المستوطنين الإسرائيليين. هذا العام شهد مزيدًا من العنف مقارنة بالعام السابق (2022)، والذي كان بالفعل دمويًا للغاية. الهجمات الإسرائيلية في غزة أسفرت عن مزيد من الضحايا، والاضطرابات في الضفة الغربية تتصاعد، مما يزيد من العنف الإسرائيلي ويخلق دائرة خطيرة من العنف.
هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول زادت من شهرتها وقوتها. هذه الهجمات صدمت الإسرائيليين بسبب حجمها وتأثيرها الكبير، وأثرت بشكل سلبي على صورة إسرائيل وسمعتها كدولة قائمة. الفلسطينيون يشعرون بالفخر لأن إسرائيل بدأت تعاني أيضًا، ولا يمكنها تجاهل قضية فلسطين بعد الآن. حماس تمتلك تاريخاً طويلاً من المقاومة، وهي تحمل تقاليد المقاومة المسلحة من السابقين. كما قامت حماس بجعل إسرائيل تنسحب من غزة عام 2005 من خلال مقاومتها المسلحة، وهذا النجاح يعكس على عدم رضى الفلسطينيين تجاه سلطة فلسطينية تعتبرها متواطئة مع إسرائيل.
محمود عباس قام بخطوات دبلوماسية لتعزيز شرعيته وتهدئة الغضب الفلسطيني. على سبيل المثال، اتهم إسرائيل بارتكاب جريمة حرب بعد قصف المستشفى المعمداني، وألغى اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن. يُتوقع أن يزيد عباس من خطابه المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة في المستقبل، وسيبذل جهودا دبلوماسية لعزل إسرائيل واتخاذ إجراءات رمزية لقطع التعاون معها. هذا يمكن أن يشمل تعليق التعاون فيما يتعلق بإمدادات المياه والطاقة في غزة وقد يشمل أيضا تعليق التعاون الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية.
مع ذلك، تواجه السلطة الفلسطينية أزمة انتقال للسلطة بعد وفاة عباس نظرًا لعمره وغياب خليفة واضح. يمكن أن تفتح وفاته آفاقاً سياسية جديدة، حيث قد تنشأ قيادات تتنافس على السلطة وتبحث عن دعم شعبي. يمكن أن تكون هذه القادة جزءًا من الحرس القديم الذي عمل إلى جانب عباس، ولكن قد تظهر أيضًا قيادة شابة برؤية جديدة.
العنف الحالي في الضفة الغربية يمكن أن يكون فرصة لهؤلاء القادة لإبراز أنفسهم وزيادة دعمهم السياسي بينما يضعف نجم عباس. قد يسعون لزيادة مصداقيتهم الوطنية من خلال دعم هجمات ضد المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين، وربما عبر تشجيع الناس على المشاركة في هذه الهجمات. وللتغلب على خصومهم الذين يتعاونون مع إسرائيل، قد يحاولون تحفيز المشاعر الشعبية ضد الاستيطان والقيود الإسرائيلية