تكنولوجيا

هل “تيك توك” يعرفك أكثر من نفسك؟ البيانات الشخصية بين الذكاء الاصطناعي والمخاوف الأمنية

خضعت منصة “تيك توك” خلال السنوات الماضية لهجوم عالمي متصاعد، تقوده بشكل رئيسي الحكومة الأميركية، بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن الرقمي. وعلى الرغم من أن طبيعة البيانات التي تجمعها المنصة تبدو للوهلة الأولى مشابهة لما تجمعه باقي منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن حجم البيانات ونوعيتها وطريقة التعامل معها، هي ما يجعل “تيك توك” تحت المجهر.

ثلاثة محاور رئيسية للقلق

يمكن تلخيص أسباب الجدل الدائر حول “تيك توك” في ثلاث نقاط رئيسية:

  1. عدد المستخدمين الهائل: حيث يتجاوز عدد المستخدمين النشطين شهريًا 1.5 مليار، ما يعني تدفقًا مستمرًا لكمية ضخمة من البيانات.
  2. آلية معالجة البيانات: طريقة تعامل المنصة مع هذه البيانات، ومدى شفافيتها بشأن استخدامها، يطرحان تساؤلات قانونية وأخلاقية.
  3. نوعية البيانات: الغوص في طبيعة البيانات يكشف اختلافات عميقة عن المنصات الأخرى، مما يثير الشكوك حول أهداف الجمع الحقيقيّة.

“تيك توك” يعرفك أكثر من والدتك!

في تقرير نشرته صحيفة El País الإسبانية، وصف أحد المستخدمين البيانات التي تجمعها “تيك توك” بأنها “تعرفك أكثر من والدتك أو طبيبك النفسي”. وتبرر هذه المقارنة الجريئة قرار العديد من الدول، ومنها الولايات المتحدة ودول أوروبية، حظر التطبيق على الأجهزة الحكومية.

فالمنصة تحتفظ بسجل شامل لكل مستخدم يشمل الاسم، تاريخ الميلاد، البريد الإلكتروني، أرقام الهواتف، كلمات السر، السيرة الذاتية، صورة الحساب، وحتى تفاصيل النشاط اليومي من عمليات الشراء، آليات الدفع، وسلوك التصفح والتفاعل.

ما الذي تعرفه “تيك توك” عنك فعلًا؟

تمتد البيانات إلى ما هو أبعد من المألوف، لتشمل عنوان الإنترنت، نوع الجهاز، نظام التشغيل، مزود الخدمة، نوع الاتصال، المدينة الجغرافية، وجهات الاتصال المخزّنة على الهاتف، وسلوكيات النقر والتفاعل داخل المنصة.

كما تسجل “تيك توك” تفضيلاتك الموسيقية، صناع المحتوى الذين تتابعهم، التأثيرات التي تستخدمها، وسجل البحث وتفاعلك مع المستخدمين الآخرين، حتى في حال إلغاء المتابعة.

وإذا كنت تظن أن هذا هو الحد الأقصى، فإن المنصة تسجل كذلك نوع المحتوى الذي تتفاعل معه – من الرقص إلى المناظر الطبيعية – وتفاصيل مونتاج الفيديوهات التي تفضلها، وتخزن كل ذلك في قواعد بياناتها لتخصيص التجربة بشكل دقيق للغاية.

لماذا تجمع “تيك توك” هذه البيانات؟

وفقًا لما تعلنه المنصة، فإن هذه البيانات تُستخدم لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي بهدف تقديم مقاطع أكثر ملاءمة لاهتمامات المستخدم، وبالتالي زيادة زمن التفاعل مع التطبيق.

وتُعد خوارزمية “تيك توك” من بين الأقوى عالميًا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن متوسط استخدام الفرد للمنصة يبلغ نحو 55 دقيقة يوميًا، وأكثر من 34 ساعة شهريًا، مع فتح التطبيق بمعدل 19 مرة يوميًا.

هل يمكنك الاطلاع على ما تعرفه “تيك توك” عنك؟

نعم. تتيح المنصة للمستخدمين تحميل سجل الاستخدام الكامل، والذي يتضمن تفاصيل دقيقة حول كل مقطع فيديو تمت مشاهدته، توقيت التفاعل معه، مشاركته، وتعليقات الآخرين عليه. وتؤكد المنصة ضمن سياسة الخصوصية أنها لا تخفي هذه البيانات عن أصحابها.

كيف تقلل من البيانات التي تجمعها المنصة؟

رغم أن استخدام “تيك توك” دون جمع بيانات هو أمر شبه مستحيل، يمكن اتخاذ بعض الخطوات لتقليل كمية البيانات التي تُخزن، ومنها:

  • استخدام المنصة من خلال المتصفح بدلًا من التطبيق.
  • تعطيل ملفات التتبع وملفات تعريف الارتباط (Cookies).
  • استخدام بريد إلكتروني ورقم هاتف غير مرتبطين بأي حسابات أخرى.
  • منع التطبيق من الوصول إلى جهات الاتصال، الكاميرا، الميكروفون، والموقع.
  • عدم السماح بتخصيص الإعلانات.
  • حذف سجل الاستخدام بشكل دوري.

هل الاتهامات صحيحة؟

حتى الآن، لا توجد أدلة قاطعة تثبت أن “تيك توك” تشارك بيانات المستخدمين مع جهات خارجية أو مع الحكومة الصينية، رغم القلق المتزايد من موقع إدارة الشركة الأم داخل الصين. إلا أن دراسة لمؤسسة Internet 2.0 كشفت أن المنصة تجمع كمية كبيرة من البيانات غير الضرورية لتشغيل خوارزمياتها، وتفتقر إلى معايير تعزيز الخصوصية في التعامل مع تلك البيانات، وهو سلوك شائع بين التطبيقات الصينية.

الخلاصة

ما يثير القلق في “تيك توك” ليس مجرد ما تجمعه من بيانات، بل كيف تتعامل معها، ومن يمكنه الوصول إليها. وبينما تقدم المنصة تجربة مستخدم مذهلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يظل الثمن هو بياناتك الشخصية، التي قد تكون أكثر قيمة من أي وقت تقضيه في تصفح المقاطع القصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى