الأخبار العالمية

هجوم “طوفان الأقصى” أسباب ودوافع تقدمية من حماس

معركة “طوفان الأقصى”.. لماذا بادرت حماس بالهجوم وبهذا الشكل؟

عبّرت حماس في عدة مناسبات عن تفهمها العميق والمسبق للتغيرات التي تجري في المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية. حيث يشهد المجتمع الإسرائيلي تحولًا سريعًا نحو اليمين المتطرف، وتلاحظ تأثير هذا التحول أيضًا في مؤسسات الدولة الإسرائيلية، سواء على الصعيدين العسكري والسياسي.

في هذا السياق، تشجع الولايات المتحدة على تقديم الدعم لتعزيز العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهذا التطور الجيوسياسي الكبير يُمكن أن ينتج عنه تجاوزًا لقضية فلسطين وترك مستقبل الفلسطينيين في يد حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة. وتعمل الولايات المتحدة أيضًا على دمج إسرائيل في الساحة الإقليمية وإقامة نظام إقليمي جديد. وبالتالي، يُمكن لعملية التطبيع السعودي الإسرائيلي أن تسير بسلاسة دون عوائق كبيرة، وتلعب دورًا مؤثرًا في الساحة السياسية للمنطقة، مما يؤثر على موقف الدول العربية والإسلامية من إسرائيل.

في مواجهة هذا الوضع، تصبح الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين محدودة لمنع تطور الأمور لصالح إسرائيل وحسم النزاع. ولكن يُعتبر الخيار الأكثر فعالية لهم هو المقاومة العسكرية من قطاع غزة. تم تصميم الاستراتيجية الحالية للمقاومة بهدف عرقلة محاولات تصفية القضية الفلسطينية والتدخل فيها من قبل إسرائيل، وذلك من خلال جعل هذه المعركة لها تأثيرات محلية وإقليمية ودولية.

ما خطر الحكومة المتطرفة الحالية؟

الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم أحزاباً يمينية دينية قومية متطرفة، وهذه الأحزاب تتبنى برنامجًا أيديولوجيًا دينيًا يتعلق بتهويد القدس والسيطرة عليها بشكل كامل، وقد يشمل هذا البرنامج هدم المسجد الأقصى أو تغييرات حقيقية على وضعه. يمكن القول أن هذا البرنامج لم يعد مقتصرًا على مجموعات سياسية ودينية معزولة في المجتمع الإسرائيلي، بل أصبح برنامجًا يتبناه الحكومة نفسها وتخصص له موارد مالية وأدوات.

يتمتع زعيم التيار الديني سموتريتش بصلاحيات وزارية واسعة، حيث يشغل مناصب وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع. كما يمتلك صلاحيات شبه مطلقة في الضفة الغربية، ويترأس مجموعات المستوطنين اليهود في تلك المنطقة. هذه المجموعات تمثل مليشيا شبه عسكرية قادرة على تنفيذ أجندتها بشكل مستقل، مما يمكن أن يشكل تهديدًا حقيقيًا في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى سموتريتش إلى زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من أراضيهم.

من ناحية أخرى، يترأس الوزير المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن الداخلي ويمتلك صلاحيات تتعلق بالقدس وبالفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948، بالإضافة إلى مسؤوليته عن الأسرى في سجون الاحتلال. يستغل بن غفير صلاحياته لتنفيذ برنامج يهدف إلى طرد الفلسطينيين من الداخل ومن شرق القدس من أراضيهم وبيوتهم.

تضع الحكومة الإسرائيلية الحالية هذه الأجندات المتطرفة في مقدمة أولوياتها، وذلك للحفاظ على تماسك حكومتها ودعم حلفائها المتطرفين. وهذا يأتي في ظل توجهات سياسية معينة وتحديات داخلية تواجهها.

ما هي الخيارات الإسرائيلية؟

تقف دولة الاحتلال الإسرائيلي في مأزق حيال الهجوم الباغت من قبل حماس، حيث أصبحت الخيارات العسكرية التقليدية غير فعالة، وقد تم تجربتها مرارًا دون تحقيق تقدم ملموس في التعامل مع التحدي الذي تمثله المقاومة في قطاع غزة. الهجمات الجوية والقصف المدفعي يمكن أن تسبب أضرارًا في البنية التحتية والمباني في غزة، ولكن من الواضح أن هذه الإجراءات لن تكون كافية لدفع حماس للتراجع.

على الرغم من ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية قد تضطر إلى اتخاذ هذا الخيار في المقام الأول، لأنها تحتاج إلى استعادة صورتها وثقة الجمهور بالجيش والمنظومة الأمنية، التي تعرضت لضربة كبيرة. هذه الضربة قد تؤثر على الثقة التي تتمتع بها إسرائيل في علاقتها مع الجهات الدولية والجمهور الإسرائيلي نفسه.

بالنسبة للخيارات الأخرى الممكنة، مثل العمليات البرية الجزئية أو الشاملة في قطاع غزة، فإنها تواجه تحديات كبيرة. على سبيل المثال، حماس تحتجز عددًا كبيرًا من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، ويعتبر إطلاق سراحهم قضية حساسة. هناك أيضًا التحدي الكبير للعمليات البرية في مناطق سكنية مكتظة، مما قد يتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وهو ما سيزيد من الضغوط الدولية والإدانة ضد إسرائيل، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل.

إن أداء حماس في هجومها الأخير على المواقع العسكرية والمستوطنات في محيط قطاع غزة سيتم تقديره بعناية من قبل صانعي القرار الإسرائيليين، ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار الخسائر البشرية الكبيرة التي حدثت خلال الهجوم والتي تشمل القتلى والجرحى بأعداد كبيرة بالإضافة إلى الأسرى. هذه الخسائر قد تقلل من تأثير العمليات العسكرية على تخوف القوى القرارية في إسرائيل.

احتماليات التصعيد

تزايدت التوترات في قطاع غزة وازداد القلق بشأن احتمال ارتكاب إسرائيل لمجازر ضد السكان، مما يمكن أن يدفع أطرافًا أخرى للمشاركة في المواجهة. بدأت إرهاصات ذلك برسالة من حزب الله تهدد باستهداف مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، وتصريحات من رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، الشيخ صفي الدين، مؤكدة عدم حياد حزب الله في هذا الصراع.

تزيد التصريحات الأمريكية من التوتر، حيث حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من استغلال الوضع الصعب الذي تمر به إسرائيل من قبل أطراف أخرى، بالإشارة إلى حزب الله على وجه التحديد. وأعاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التأكيد على ذلك بوضوح. هذا التصعيد يأتي على خلاف رغبة إدارة بايدن في استقرار المنطقة وتجنب نشوب صراعات جديدة فيها، نظرًا للتحديات الأخرى التي تواجهها الولايات المتحدة، مثل التنافس مع الصين وضبط استراتيجيتها الدولية في الشرق الأوسط.

تعقد هذه التحديات خيارات إسرائيل، حيث اعتبرت خيار الاجتياح البري لغزة بمثابة مقامرة كبيرة. فإن الجيش الإسرائيلي قد تراجع عن هذا الخيار بعد الحرب عام 2014 واعتمد بدلاً من ذلك على استراتيجية الاحتواء والهجمات الجوية. يعني اتخاذ هذا الخيار خطرًا كبيرًا على إسرائيل، خاصة مع وجود عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين في غزة وصعوبة تبرير أي تصعيد عسكري بالنسبة للجمهور الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، العمليات البرية في مناطق سكنية مكتظة ستتسبب في سقوط ضحايا مدنيين وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل. نتنياهو قد أظهر حذرًا في التعامل مع مثل هذه التحديات في السابق ومن المتوقع أن يبذل جهدًا كبيرًا للتنسيق مع الولايات المتحدة ومصر وقطر للتأثير على حماس والدعوة إلى وقف لإطلاق النار والعمل على استعادة الوضع السابق.

ماذا كسب الفلسطينيون حتى الآن؟

حتى اللحظة، نجحت حماس في تغيير المشهد الفلسطيني والمنطقة بأكملها، وأكدت على صعوبة تجاوز القضية الفلسطينية. تضع حماس نفسها كقوة رائدة في الساحة الفلسطينية وتستعرض قدراتها العسكرية والسياسية لمواجهة التحديات الكبرى، مثل المساس بالمقدسات والاستفراد الإسرائيلي بالضفة الغربية.

إذا نجحت حماس في أسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، ستكسب مكانة قوية وشعبية لا مثيل لها. هذا النجاح سيزيد من تأثيرها وشعبيتها بشكل كبير، في حين يشهد تراجعاً كبيراً للسلطة الفلسطينية التي تعاني من تعثر في مشروعها السياسي، وتراجع في شعبيتها في الضفة الغربية.

من المهم أن نلاحظ أن حماس تراقب بعناية مشاريع التطبيع مع دول عربية وإسرائيل، وتعمل جاهدة على تعطيلها أو على الأقل منع تداعياتها السلبية على القضية الفلسطينية.

بشكل عام، نجحت حماس في تحفيز جميع الأطراف لإعادة التفكير في استراتيجياتها. وقد وجّهت ضربة كبيرة لإسرائيل، وشكلت تحولاً كبيراً في تصورات صناع القرار الدوليين والإقليميين. يُتوقع أن تكون هناك تداعيات داخل إسرائيل وفي المنطقة بشكل عام، بالإضافة إلى تأثيرات على مسارات التطبيع. يبقى الصراع في غزة والمناطق المجاورة في مرحلته الأولى، وهو يشهد تطورات متسارعة ومفتوح على العديد من الاحتمالات.

زر الذهاب إلى الأعلى