نهج نانوي مبتكر لعلاج الأمراض العصبية التنكسية: محاصرة البروتينات السامة بألياف مغلفة بالسكر

طور باحثون من جامعة نورث وسترن الأميركية تقنية علاجية واعدة تستهدف بشكل مباشر الأسباب الجذرية للأمراض العصبية التنكسية مثل ألزهايمر والتصلب الجانبي الضموري، من خلال استخدام ألياف نانوية مغلفة بالسكر لاحتجاز البروتينات السامة ومنعها من التسبب في تلف الخلايا العصبية.
ونُشرت نتائج الدراسة الرائدة في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية (Journal of the American Chemical Society) بتاريخ 14 مايو/أيار 2024، كما أوردها موقع “يوريك أليرت”.
آلية مبتكرة لحصار السموم الخلوية
تعتمد الطريقة الجديدة على منع تراكم البروتينات المشوهة التي تتشابك بشكل غير طبيعي حول الخلايا العصبية، وهي سمة رئيسية في الأمراض التنكسية. وتقوم الألياف النانوية المغلفة بسكر “التريهالوز” باحتجاز هذه البروتينات قبل أن تتجمع في هياكل أميلويد سامة قادرة على اختراق الخلايا، ما يساهم في حماية الخلايا العصبية وإطالة عمرها.
وبحسب قائد الفريق البحثي، البروفيسور صموئيل آي. ستوب، المتخصص في الطب التجديدي، فإن هذه الاستراتيجية “لا تعالج الأعراض فقط، بل تستهدف السبب الأساسي لتلك الأمراض، من خلال التدخل المبكر في تشكّل الألياف السامة”.
الببتيدات ثنائية الألفة والتريهالوز: مفاتيح العلاج
اعتمد الباحثون في نهجهم على نوع خاص من الببتيدات يعرف بـ”الببتيدات ثنائية الألفة” (Peptide Amphiphiles)، وهي جزيئات تُستخدم بالفعل في بعض الأدوية الشهيرة مثل “سيماجلوتيد” (Ozempic). وتم تعديل هذه الببتيدات عبر إضافة سكر التريهالوز، وهو مركب طبيعي معروف بخصائصه الواقية للبروتينات في الكائنات الحية.
وقال زيجون جاو، الباحث المشارك وطالب الدكتوراه في مختبر ستوب، إن “التريهالوز يوفّر بيئة وقائية للبروتينات الحساسة ضد العوامل البيئية القاسية، لذلك استُخدم هنا لتثبيت البروتينات غير المطوية بشكل صحيح، والحد من سميتها”.
الاستقرار غير المرغوب فيه.. مفتاح النجاح
فوجئ العلماء بأن إضافة التريهالوز أضعفت استقرار الألياف النانوية، وهو ما بدا سلبياً في البداية. لكن عدم الاستقرار هذا جعل الألياف أكثر ديناميكية وتفاعلاً مع البروتينات السامة، ما عزز قدرتها على احتجازها ومنع تشكّل الهياكل الليفية الخطيرة.
ويوضح ستوب أن “البنى غير المستقرة تسعى بشكل طبيعي إلى الارتباط بجزيئات أخرى لتستقر، وهو ما يجعلها أكثر قدرة على التفاعل مع بروتينات أميلويد-بيتا السامة، ودمجها في بنيتها، وبالتالي تحييدها تمامًا”.
نتائج واعدة في التجارب المعملية
في تجارب مخبرية أجريت على خلايا عصبية بشرية مستمدة من خلايا جذعية، أظهر العلاج الجديد فعالية لافتة في حماية الخلايا العصبية من تأثير بروتين أميلويد-بيتا. وتمكنت الألياف النانوية المغلفة بالتريهالوز من تحسين معدلات بقاء الخلايا بشكل كبير.
أفق علاجي مزدوج
يشير ستوب إلى أن العلاج قد يكون أكثر فعالية في المراحل المبكرة من المرض، حين تكون البروتينات الضارة لا تزال خارج الخلايا العصبية. إلا أن التحدي يكمن في صعوبة التشخيص المبكر لهذه الأمراض. لذلك، يُقترح أن يُدمج هذا النهج مع علاجات أخرى موجهة لأعراض المراحل المتقدمة، بما يعزز الفعالية في مسار مزدوج.
ثورة في أفق الطب العصبي
مع وصول عدد المصابين بالأمراض العصبية التنكسية إلى نحو 50 مليون شخص حول العالم، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، تأتي هذه الدراسة كخطوة رائدة نحو تطوير علاجات أكثر فاعلية واستدامة، تستند إلى الهندسة النانوية والبيولوجيا الجزيئية.
ويؤكد الفريق البحثي أن العمل لا يزال في مراحله الأولى، لكن النتائج المبدئية تفتح المجال أمام استراتيجيات علاجية جديدة قادرة على كبح تطور أمراض عصبية معقدة لطالما استعصت على الطب التقليدي.