نحو مستقبل رقمي لموريتانيا: إطلاق عرض الألياف البصرية عالي السرعة

في لحظة مفصلية من مسار التحول الرقمي، نعيش اليوم محطة حاسمة تشكّل بامتياز مظهراً من مظاهر العهد الجديد الذي تدخل فيه موريتانيا بثقة وتصميم، نحو مستقبل تُصان فيه حقوق الجميع وتُتاح فيه التكنولوجيا الرقمية بعدالة وشفافية.
إن اجتماعنا اليوم لا يقتصر على استعراض ما تحقق من إنجازات أو الإعلان عما تم بلوغه، بل هو تأكيد عميق على قناعة راسخة مفادها أن الرقمنة باتت إحدى الركائز الأساسية للتنمية، والسيادة، والشمول.
وبثقة شركائنا، وبجهود فرقنا العاملة، وبدعم متواصل من السلطات التنظيمية والوصية، نطلق رسمياً اليوم عرض الألياف البصرية عالي السرعة بسرعة تصل إلى 500 ميغابت في الثانية، في خطوة غير مسبوقة على مستوى المنطقة، تجعل من بلادنا نموذجاً فريداً في الربط الرقمي بإفريقيا.
وسيتمكن زبائننا، ابتداءً من اليوم، من الاستفادة من ثلاث سرعات متميزة: 100 و200 و500 ميغابت/ثانية، لا في نواكشوط فقط، بل أيضاً في ثماني مدن رئيسية أخرى: كيفه، سيليبابي، أطار، النعمة، لعيون، تجكجة، الزويرات، ونواذيبو، على أن تمتد لاحقاً إلى مدن ومناطق جديدة.
وبالنسبة للمشتركين الحاليين، سيتم ترقية السرعات بشكل مضاعف دون أي تكاليف إضافية: فمستخدمو 100 ميغابت سينتقلون إلى 200، ومستخدمو 200 سينتقلون إلى 500، مع الحفاظ على نفس السعر وبنفس السلاسة، في تجربة غنية وسريعة وغير مسبوقة.
يأتي هذا الإنجاز انسجاماً تاماً مع رؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي تجسدت في برنامج “تعهداتي” وأجندة التحول الرقمي 2022-2025، حيث لم يتبقَ سوى ستة أشهر على الموعد المحدد، ما يتطلب منّا إعداد تقرير قوي يعكس مدى الالتزام والتنفيذ في مختلف المحاور الاستراتيجية الخمسة المتفق عليها مع كافة الأطراف المعنية.
المحور الأول: تعميم الألياف البصرية عالية السرعة
خلال ثلاث سنوات فقط، تم تركيب أكثر من 110,000 نقطة توصيل، مستخدمين في ذلك بنية تحتية حديثة تضم 25 محطة قابلة للربط بالألياف البصرية، مقابل شبكة نحاسية تقليدية (ADSL) كانت مهيمنة سابقاً.
وليس ذلك سوى بداية، إذ ارتفع عدد نقاط التوصيل من 3400 نقطة في 2021 إلى 180,000 نقطة حالياً، وسنصل مع نهاية 2026 إلى 260,000 نقطة، مما سيتيح تغطية 43 مقاطعة خلال سنة واحدة، على أن يتم تعميم الخدمة في جميع المنازل الحضرية بحلول 2028.
المحور الثاني: تسريع تغطية الجيل الرابع
في ظرف أربع سنوات فقط، ارتفعت نسبة التغطية من 48% في 2021 إلى أكثر من 93% في 2025، وهي قفزة استثنائية تضع موريتانيا في مصاف الدول المتقدمة إقليمياً، بل وتفوق عدة دول مجاورة. وهذا يعكس التقدم بخطى ثابتة نحو ريادة إقليمية مبنية على رؤية واضحة وأهداف قابلة للقياس والتنفيذ.
المحور الثالث: تعزيز الربط الدولي
في إطار هذا المحور، تم رفع السعة الإجمالية لحركة الإنترنت الدولية من 70 جيغابت في 2021 إلى 400 جيغابت في 2025، في تطور نوعي تحقق خلال أربع سنوات فقط.
وتتزامن هذه القفزة مع تشغيل كابل “West Africa” البحري الجديد، أحد أهم المشاريع الممولة بأكثر من 8 مليارات أوقية قديمة، والذي يجعل من موريتانيا مركزاً رقمياً إقليمياً يضمن الاستقرار الأمني والاقتصادي للاتصالات ويتيح آفاقاً واعدة.
المحور الرابع: التحول الرقمي في الاستخدام
قفز معدل استخدام الإنترنت المشترك في موريتانيا من 32 جيغابت في النصف الأول من 2021 إلى 114 جيغابت في 2025، وهو ما يمثل تضاعفاً بأكثر من أربع مرات، متجاوزاً التوقعات المحددة في الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي.
ويمثل هذا الرقم مؤشراً دالاً على تغير عميق في أنماط الاستخدام، وتوسعاً في الوصول للخدمات الرقمية، وتحولاً تدريجياً نحو الحداثة والشمول، بدعم من الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والشبكات.
المحور الخامس: سياسة استثمارية جديدة
أطلقت الحكومة خطة استثمارية تاريخية منذ بداية هذا العام، تعتمد مقاربة حديثة ترتكز على التحفيز بدل العقاب، وتواكب المستثمرين بتزامات واضحة وأفعال ملموسة.
وقد تم إطلاق خطة استثمارية تتجاوز 18 مليار أوقية قديمة، في إطار هذا التوجه الجديد الذي يضع الجودة في قلب الخدمة ويؤسس لشراكة مسؤولة مع شركات الاتصالات، لضمان حصول المواطن على خدمات ذات جودة عالية.
ثقة راسخة في المستقبل الرقمي
نؤمن يقيناً أن مستقبل الرقمنة لن يُبنى بالعقوبات، بل بالثقة والاستثمار والعمل المشترك.
وأود في هذا المقام أن أذكّر بأن جميع الإنجازات التي استعرضناها اليوم ليست ثمرة عمل فردي أو مجهود أحادي، بل هي نتيجة التزام جماعي، وفريق متماسك، ورؤية مشتركة بين شركائنا في جميع المستويات.
وفي الختام، أتوجه بالشكر إلى الفنيين، والفرق التجارية، والمصممين، وزملائنا في الإدارة، وإلى كافة شركائنا الذين واكبونا بدعمهم المتواصل وثقتهم الراسخة.
وأجدد التزامنا بمواصلة هذه المغامرة الرقمية، ودعم اكتشاف عرض الألياف البصرية الجديد.
معاً، نصنع الفرق.


