ثقافة

ميغان تشوريتز: من نجمة مسرحية إلى صوت مناهض للصهيونية في جنوب أفريقيا

في منزلها المتواضع بمدينة كيب تاون، تجلس ميغان تشوريتز، البالغة من العمر 60 عاماً، لتروي بصراحة مؤلمة رحلة تحولها من “نجمة صغيرة محبوبة في المجتمع اليهودي” إلى واحدة من أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في جنوب أفريقيا.

رحلة حياتها لم تكن سهلة؛ فقد فقدت مكانتها في مجتمعها، وتعرضت للتهديد والمضايقات والعنف الجسدي، لكنها لم تتراجع قيد أنملة عن دعمها للحقوق الفلسطينية.

جذور التمرد في ظل الأبارتهايد

تعود جذور وعي تشوريتز السياسي إلى طفولتها المعقدة في جوهانسبرغ أثناء حكم نظام الأبارتهايد من 1948 إلى 1994، وهو نظام الفصل العنصري الذي قسم السكان إلى أربع فئات عرقية وحرّم الغالبية من الحقوق الأساسية.

وتصف تشوريتز نشأتها في منزل يهودي صهيوني من الطبقة المتوسطة في تلك الفترة بالقول: “عائلتي كانت مختلة الوظائف إلى حد كبير. والدي كان يعترف بظلم الأبارتهايد دون أن يفعل الكثير حيال ذلك”.

هذا التناقض بين الإدراك النظري للظلم والصمت العملي كان سمة مميزة للعديد من العائلات البيضاء الليبرالية في جنوب أفريقيا، إذ كان القليل مستعداً للتضحية بامتيازاته لمواجهة النظام العنصري.

وأضافت تشوريتز أن انتقال أفراد عائلتها تدريجياً إلى إسرائيل ساهم في زرع بذور الشك المبكر في ذهنها حول الصهيونية، مؤكدة أن “كان هناك دائماً انفصال بين ما كان يحدث في جنوب أفريقيا وما كان يحدث في إسرائيل”.

رحلة التعليم والوعي السياسي

خلال دراستها في مدرسة ثانوية يهودية، شعرت تشوريتز بعدم الراحة مع التعليم الديني والصهيوني، لكنها لم تعرف تفسير شعورها آنذاك.

وتقول إن وعيها السياسي تشكل من مصدرين رئيسيين: معلمون مناهضون للأبارتهايد، ورحلة إلى إسرائيل، التي جاءت بنتيجة عكسية تماماً على هويتها الصهيونية، لتؤكد لاحقاً مواقفها المناهضة للصهيونية بقوة.

المسرح مدرسة الحياة

بعد تخرجها من جامعة كيب تاون عام 1986، بدأت تشوريتز مسيرة فنية امتدت لأكثر من أربعة عقود، شملت التمثيل، تأسيس فرقة ارتجال مسرحي، وإدارة شركة “إمبروفيغن” للمسرح الصناعي وورش العمل المؤسسية.

وترى تشوريتز أن الارتجال المسرحي علمها الاستجابة الفورية والمرونة في التفكير، وهي مهارات ساعدتها على العمل السياسي والاحتجاجي.

حازت تشوريتز على جوائز عديدة منها جائزة “فلور دو كاب” للابتكار المسرحي عام 2009، كما كتبت العديد من المسرحيات، منها “امرأة وحيد القرن” التي حصلت على جائزة “آي جي آي لايف بيك”.

من المسرح إلى الرواية: “الممتلكات المفقودة”

خلال فترة جائحة “كوفيد-19″، بدأت تشوريتز الكتابة الأدبية، وأصدرت روايتها الأولى “الممتلكات المفقودة” عام 2023، والتي تستعرض آثار الأبارتهايد على حياة الأفراد، وتدمج بين السيرة الذاتية والخيال.

الرواية حظيت بنجاح نقدي، ورُشحت لجائزة “دالرو – كان تيمبا” المرموقة عام 2025، لكنها أيضاً أثارت جدلاً بسبب مواقفها السياسية.

السابع من أكتوبر: نقطة اللاعودة

أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكلت تحولاً جذرياً في حياة تشوريتز، حيث أصبحت مواقفها المناهضة للصهيونية مكشوفة تماماً، مما أدى إلى مواجهتها لرفض المجتمع اليهودي المحلي، وتعرضها لحملات تشويه وتهديدات بالقتل والاعتداء الجسدي.

اليهودية مقابل الصهيونية

تؤكد تشوريتز أن هويتها اليهودية لا تتناقض مع معارضتها للصهيونية، مشيرة إلى أن اليهودية تمثل ثقافة ومجموعة قيم أخلاقية ودينية، بينما الصهيونية هي مشروع استعماري عنصري.

وتقول بوضوح: “الصهيونية شر استعماري استيطاني، عنصري وقومي عرقي. اليهود لا يحتاجون إلى وطن خاص أكثر من أي مجموعة أخرى على الأرض”.

الثمن الباهظ: من التشويه إلى العزلة

مواقفها السياسية كلفتها غالياً على المستوى الشخصي والمهني، إذ وُصفت بـ”الكابو” و”يهودية كارهة لذاتها”، وتعرضت للمضايقات الجسدية واللفظية، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة اليهودية العالية في كيب تاون.

وعن سبب استمرارها رغم هذه التكلفة، تقول بلا تردد: “موقفي غير مرن، وهذا هو السبب في أنني لا أستطيع التعامل مع الصهاينة على الإطلاق”.

مجتمع جديد ودعم معنوي

رغم الانفصال عن عائلتها، وجدت تشوريتز مجتمعاً داعماً جديداً من النشطاء المؤيدين لفلسطين، بينهم الدكتور امتياز سليمان من منظمة “وقف الواقفين”، مؤكدة أن هذا المجتمع يجسد مبادئ إصلاح العالم واحترام قدسية كل روح بشرية.

الفن والسياسة: مقاومة مكتوبة

تشوريتز ترى الفن والكتابة كأدوات لمقاومة الظلم، مؤكدة أن كتاباتها الحالية، سواء في المدونات أو منشورات سابستاك، تعكس التزامها العميق بالقضية الفلسطينية.

حتى المواقف التي واجهتها في المهرجانات الأدبية لم تثنها، إذ نظمت احتجاجاً أمام متحف الهولوكوست في كيب تاون تحت شعار “لست صهيونية بما فيه الكفاية”، ليتحول الحدث إلى رسالة قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

مقارنة الأبارتهايد وإسرائيل

كونها عاشت تجربة الأبارتهايد، تصف تشوريتز إسرائيل كنظام فصل عنصري مضاعف، مشيرة إلى التناقض بين معارضة الأبارتهايد ودعم الصهيونية، مؤكدة أن مشروع الدولة اليهودية على الأرض الفلسطينية هو أبارتهايد أسوأ من سابقه.

رسالة إلى الفلسطينيين

في ختام حوارنا، وجهت تشوريتز رسالة صادقة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية: “أنتم في قلبي وأفكاري كل لحظة، وأعدكم بالاستمرار في القتال من أجل فلسطين حرة وديمقراطية من النهر إلى البحر”.

النشاط المستمر والرؤية المستقبلية

تواصل تشوريتز نشاطها السياسي، عضو فعال في منظمة “يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة”، وتشارك في الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، مع حضور رقمي نشط يصفها بأنها “ممثلة، كاتبة، مرتجلة، مخرجة، نباتية، مناهضة للعنصرية والصهيونية”.

زر الذهاب إلى الأعلى