موريتانيا تتصدر الدول العربية في ضريبة الدخل.. جدل حول العبء والجدوى

سجلت موريتانيا خلال عام 2025 أعلى معدل لضريبة الدخل المفروضة على الأفراد في المنطقة العربية، حيث بلغت 40%، متقدمة على المغرب التي حلت ثانية بنسبة 38%، فيما جاءت الجزائر وتونس في المرتبتين الثالثة والرابعة بنسبة متساوية بلغت 35% لكل منهما.
وتثير هذه النسبة مفارقة لافتة، إذ يدفع المواطن الموريتاني ضريبة قريبة من مستويات أوروبية (فرنسا مثلًا 45%)، لكنه في المقابل يحصل على خدمات عامة محدودة، ويعيش ضمن مستويات دخل متوسطة إلى ضعيفة، وفق بيانات البنك الدولي.
هذا الوضع فتح نقاشًا واسعًا حول السياسات الاقتصادية والضريبية للحكومة، ومدى انعكاسها على القوة الشرائية للمواطنين، خاصة وأن الإيرادات الضريبية مثلت هذا العام 62% من موازنة الدولة.
شكاوى من ارتفاع الضرائب وتعقيد النظام
يعبر مواطنون ومستثمرون عن استيائهم من ارتفاع الأعباء الضريبية، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى التهرب الضريبي أو عدم التصريح الكامل بمداخيلهم لتجنب دفع نسب مرتفعة.
ويصنف البنك الدولي موريتانيا في المرتبة 178 عالميًا من حيث سهولة دفع الضرائب، ما يعكس تعقيد النظام وكثرة إجراءاته.
طبيعة النظام الضريبي
يخضع الأفراد والمؤسسات في موريتانيا لرسوم سنوية متفاوتة، تشمل حتى الفئات المعفاة من الضرائب ورواتب الموظفين. ويمكن تقسيم الضرائب إلى:
- ضرائب نسبية غير تصاعدية
- الأرباح التجارية والصناعية والدخول العقارية.
- الفوائد والعوائد: 10%.
- الدخل العقاري: 10%.
- أرباح الأفراد الطبيعية: 30%.
- يعتمد هذا النظام على إفصاح الممولين، بينما يقتصر دور الإدارة الضريبية على التدقيق.
- ضرائب تصاعدية
- تفرض على الأجور الشهرية وفق 4 شرائح، 3 منها خاضعة للضريبة:
- من 6,000 إلى 9,000 أوقية (150 – 225 دولارًا): 15%.
- من 9,000 إلى 21,000 أوقية (225 – 525 دولارًا): 25%.
- فوق 21,000 أوقية (أكثر من 525 دولارًا): 40%.
- تفرض على الأجور الشهرية وفق 4 شرائح، 3 منها خاضعة للضريبة:
جدل حول الإنصاف
يرى بعض الاقتصاديين أن هذه النسب تشكل عبئًا يضر بالمستثمرين ويعيق تنافسية الاقتصاد المحلي.
بينما يعتبر آخرون أن الضغط الضريبي في موريتانيا لا يزال ضعيفًا مقارنة بدول أخرى، خصوصًا مع انتشار واسع للتهرب الضريبي وضعف تحصيل الدولة من الاقتصاد غير الرسمي.
مفتش الضرائب محمد يحي ولد محمد يحي أوضح أن المقارنة مع الدول المجاورة ليست دقيقة، لأن طبيعة الدخل الخاضع للضريبة تختلف، مشيرًا إلى أن نسبة 30% على أرباح الأفراد تعد ضمن المتوسط عالميًا، وأن الشريحة الخاضعة لـ40% تبقى محدودة.
أسباب ارتفاع الضريبة
بحسب خبراء اقتصاديين، تعود النسبة المرتفعة إلى عدة عوامل، أبرزها:
- ضعف القاعدة الضريبية بسبب اتساع القطاع غير الرسمي.
- حاجة الموازنة العامة لتمويل الأجور والخدمات الأساسية.
- الالتزامات الدولية تجاه صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح المالي.
- تراجع عوائد الموارد الطبيعية كالحديد والذهب، ما دفع الدولة للاعتماد أكثر على الضرائب الداخلية.
آثار اقتصادية واجتماعية
تشير الإحصاءات إلى أن الإيرادات الضريبية تمثل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أقل من المتوسط الأفريقي البالغ 16%، ما يعكس اتساع التهرب الضريبي.
ويرى الدكتور الهادي أبوه أن العبء الضريبي المرتفع لا يقتصر أثره على الأفراد، بل ينعكس سلبًا على بيئة الأعمال والاستثمار ويدفع بعض الشركات إلى الانخراط في الاقتصاد غير الرسمي.
كما يؤثر ذلك على الادخار المحلي ويزيد الاعتماد على التمويل الخارجي، إذ لجأت موريتانيا عام 2025 إلى تعبئة أكثر من 2.67 مليار دولار من القروض والمنح.
اجتماعيًا، تتحمل الطبقة الوسطى العبء الأكبر، مما يؤدي إلى:
- تقلص حجمها وانزلاق بعض الأسر إلى الفقر.
- اتساع الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء.
- تهديد الاستقرار الاجتماعي بزيادة احتمالات الاحتجاج والهجرة.
نحو إصلاح ضريبي متوازن
يوصي الخبراء بضرورة مراجعة الشرائح الضريبية لتخفيف الضغط عن أصحاب الدخل المتوسط، وتبسيط النظام لتشجيع الامتثال الطوعي. كما يدعون إلى تنويع مصادر الإيرادات عبر دعم قطاعات الزراعة، والصيد، والطاقة، والصناعات التحويلية، بدل الاعتماد المفرط على الضرائب المباشرة.
ويرى الدكتور الهادي أن الحل يكمن في إصلاح ضريبي متوازن يشمل توسيع القاعدة الضريبية، مكافحة التهرب، وتحسين الخدمات العامة مقابل الضرائب، لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز النمو الاقتصادي.