رأي آخر

موريتانيا بين قطبي النزاع المغربي الجزائري

تعيش المنطقة المغاربية لحظة احتقان حاد، يتخذ أبعادًا إقليمية ودولية غير مسبوقة، بفعل التصعيد المستمر بين الجزائر والمغرب، والذي لم يعد مجرد تنافس استراتيجي بين دولتين جارتين، بل بات ساحة تفاعلات معقّدة لتدخلات أطراف خارجية، لا تخدم بالضرورة شعوب المنطقة. وسط هذا السياق الملبد، تقف موريتانيا أمام معادلة حساسة: كيف تحافظ على حيادها الإيجابي، دون التفريط في سيادتها ومصالحها الوطنية؟

تصعيد مغربي-جزائري بأدوات غير مغاربية

تغذي عدة عوامل هذا التصعيد، على رأسها ملف الصحراء الغربية، والتنافس على الزعامة الإقليمية، لكنه في السنوات الأخيرة اتخذ طابعًا أكثر خطورة بفعل دخول فاعلين خارجيين كالإمارات، التي تسعى لتكريس تحالفات جديدة في المنطقة تحت يافطة “السلام الإبراهيمي”، بما يخدم أجندة إسرائيلية واضحة المعالم.

في هذا الإطار، تبرز أدوار إماراتية متسارعة، لا سيما في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، عبر استثمارات أمنية وبنى تحتية غامضة، أثارت قلق العديد من النخب الوطنية في موريتانيا، خاصة بعد ما تردد عن وجود “منشأة جوية” إماراتية في شمال البلاد، يقال إنها تُستغل من قبل إسرائيل، ولو بشكل غير معلن.

موريتانيا تحت المجهر: تحديات التوازن الإقليمي

من حيث الجغرافيا، تشكل موريتانيا نقطة تماس بين فضاء المغرب العربي ومنطقة الساحل. ومن حيث السياسة، فهي دولة محايدة تقليديًا، ذات سياسة خارجية تتسم بالاعتدال والحرص على عدم الانخراط في محاور. لكن الواقع الإقليمي المستجد يفرض عليها إعادة تقييم تموضعها.

الحياد، وإن كان خيارًا حكيمًا في الظاهر، قد لا يكون كافيًا في ظرف دولي تطغى عليه الاستقطابات. إن المطلوب اليوم هو حياد سيادي، يوازن بين مقتضيات العلاقات الجيدة مع الجيران، والحذر من الوقوع في لعبة المحاور التي تُدار من خارج الإقليم، والتي تسعى لإعادة هندسة الخريطة السياسية في المنطقة بما يخدم أطرافًا مثل إسرائيل والولايات المتحدة.

البيت الإبراهيمي ومخاوف من التطبيع المقنّع

أحد أوجه القلق الذي يعبر عنه عدد من النخب الوطنية في موريتانيا، يتمثل في ما يتردد عن ترشيح شخصية موريتانية، هي الأمين العام لما يسمى بـ”البيت الإبراهيمي”، المعروف باسم ولد بي، لمنصب حكومي أو تمثيلي حساس.

هذا الترشح – إن صحّت التسريبات – يثير الريبة لسببين رئيسيين:

  1. رمزية الموقع: “البيت الإبراهيمي” ليس إطارًا ثقافيًا بريئًا، بل هو أداة ناعمة لتطبيع ثقافي وديني مع إسرائيل، يجري تسويقه على أنه حوار بين الأديان، بينما يخفي مشروعًا سياسيًا واضحًا.
  2. السياق الإقليمي: أي انفتاح رسمي – مباشر أو غير مباشر – على إسرائيل في هذا التوقيت، من شأنه أن يُفقد موريتانيا مكانتها التاريخية كداعم ثابت للحق الفلسطيني، ويضعف شرعية موقفها في أعين شعوب المنطقة.

نحو موقف موريتاني يخدم السيادة

إزاء هذه التعقيدات، فإن الموقف الذي يخدم المصالح العليا لموريتانيا يجب أن يُبنى على الركائز التالية:

  1. رفض التبعية لمحاور خارجية، خاصة تلك التي تُستخدم فيها قضايا الهوية والدين لتبرير تقارب مع إسرائيل.
  2. تأكيد مبدأ عدم استغلال الأراضي الموريتانية لأي وجود عسكري أجنبي غير خاضع للرقابة السيادية، وخاصة أي وجود يُقال إنه يخدم أجندات إسرائيلية أو يهدد استقرار دول الجوار.
  3. دعم الحوار المغاربي الداخلي بعيدًا عن الاصطفافات الحادة، وتقديم موريتانيا كوسيط نزيه إذا أمكن، لا كطرف مستَتبع لأي من المحورين.
  4. الاستثمار في تقوية الجبهة الداخلية، عبر إشراك النخب الوطنية في القرار السيادي، وتحفيز وعي شعبي ضد أي شكل من أشكال التطبيع المقنّع.

خاتمة

إن موريتانيا ليست جزيرة معزولة، لكنها أيضًا ليست مجرد مساحة جيوسياسية مفتوحة أمام الأطماع. سيادتها، كما تاريخها، لا تُحتمل فيها “المجاملات الاستراتيجية”. بين نار التوتر الجزائري-المغربي، وجمر التطبيع غير المعلن، المطلوب اليوم من صانع القرار الموريتاني أن يرتقي إلى مستوى اللحظة، بقرارات واضحة، وإرادة لا تتردد في قول “لا” حين يكون الوطن على المحك.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى