منتظر الزيدي: بين ضربة حذاء وصرخة وطن

في لحظةٍ واحدة، تحوّل الشاب العراقي منتظر الزيدي من صحفي مجهول في أروقة الإعلام العراقي إلى رمز عالمي للمقاومة ورفض الاحتلال، عندما رمى بحذائه نحو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش خلال مؤتمر صحفي ببغداد في ديسمبر 2008. لم تكن تلك مجرد حركة غاضبة، بل كانت في نظر كثيرين صرخة شعب يعاني، وفعل رمزي يختصر سنوات من الدم والمعاناة.
النشأة والبداية
ولد منتظر الزيدي عام 1979 في العاصمة العراقية بغداد، وترعرع في ظل نظام صدام حسين، ثم شهد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من فوضى ودمار واحتلال مباشر. درس الإعلام وعمل صحفيًا في قناة “البغدادية”، وكان معروفًا بتغطيته الميدانية للأحداث العنيفة، خاصة معاناة المدنيين في ظل الاحتلال.
اللحظة المفصلية: الحذاء الذي هزّ العالم
في يوم 14 ديسمبر 2008، وخلال مؤتمر صحفي مشترك بين رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي والرئيس الأمريكي جورج بوش، نهض الزيدي من مكانه فجأة، وصرخ بصوت هادر:
“هذه قبلة الوداع يا كلب!”
ثم رمى حذاءه الأول باتجاه بوش، الذي انحنى ليتفاداه، ثم أتبعها بالحذاء الثاني، مع صرخة:
“وهذه من الأرامل والأيتام والذين قُتلوا في العراق!”
رغم أن بوش لم يُصَب، إلا أن الحادثة أحدثت زلزالًا إعلاميًا وسياسيًا عالميًا. الحذاء، الذي يعد في الثقافة العربية من أدوات الإهانة القصوى، صار رمزًا للمقاومة الشعبية.
السجن والتعذيب
لم تمرّ الحادثة دون عقاب. فقد اعتُقل الزيدي فورًا، وتعرّض، حسب شهادته، إلى الضرب المبرح والتعذيب أثناء التحقيق. أُحيل إلى المحكمة، وصدر حكم بسجنه لمدة ثلاث سنوات بتهمة “الاعتداء على رئيس دولة زائر”، لكن الحكم خُفّض إلى سنة واحدة، وقد أُفرج عنه بعد تسعة أشهر لحسن السلوك.
ما بعد السجن: من صحفي إلى ناشط
بعد خروجه من السجن عام 2009، تلقى الزيدي استقبال الأبطال من بعض فئات الشعب العراقي، واعتبره كثيرون رمزًا للمقاومة الوطنية. لكنه في المقابل، واجه انتقادات من نخب سياسية وإعلامية اعتبرت تصرفه غير لائق ويتنافى مع البروتوكولات الدولية، ورأت فيه تهديدًا لهيبة العراق وموقعه الدبلوماسي.
سافر الزيدي إلى عدة دول عربية وأوروبية، وأسّس منظمة خيرية تحمل اسم “مؤسسة الزيدي لرعاية ضحايا الاحتلال الأمريكي”، تهدف لمساعدة أسر الضحايا والجرحى.
وفي عام 2018، خاض الانتخابات البرلمانية العراقية ضمن تحالف “سائرون”، الذي يقوده التيار الصدري، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى البرلمان، رغم شهرته الواسعة.
بين المجد والجدل: الرمز الذي انقسم حوله الناس
منتظر الزيدي أصبح رمزًا مشحونًا بالمعاني المتناقضة. فبينما يعتبره البعض بطلًا شعبيًا ومجسدًا لكرامة الأمة، يراه آخرون متهورًا، خالف الأعراف الدبلوماسية وعرض بلاده للإحراج الدولي.
لكن الحقيقة أن فعلته ألقت بظلالها على الوعي السياسي العربي، وأسهمت في فتح النقاش حول الكرامة الوطنية، ومشروعية مقاومة الاحتلال، وحدود التعبير السياسي.
خاتمة: صدى لا يزال يتردد
رغم مرور أكثر من 15 سنة على حادثة الحذاء، فإن اسم منتظر الزيدي لا يزال يُذكر كلما تكررت مشاهد الغضب الشعبي أو الانتهاك الخارجي لسيادة الشعوب. قد يكون فعله خارجًا عن الأعراف الدبلوماسية، لكنه لم يكن خارجًا عن السياق الشعبي للغضب العراقي. ففي تلك اللحظة، لم يكن الزيدي يرمي مجرد حذاء، بل رمى تاريخًا من القهر والأسى والألم.
وربما يختلف الناس في تقييمه، لكن أحدًا لا ينكر أنه كتب اسمه في سجل الأحداث التي غيّرت الوعي العربي والعالمي تجاه الاحتلال والعدالة.
رئيس التحرير