ملف تهريب الأدوية: اعترافات وتفاصيل مثيرة تكشف خيوط الشبكة

كشفت التحقيقات الجارية في ملف تهريب الأدوية عن شبكة معقدة الأطراف تضم متهمين رئيسيين، أبرزهم موريس بنزا، المعروف باسم ولد أحمد بيه، إلى جانب محمد الأنوار، والمتهم الآخر المصطفى عبد الله جنك، الذي يعمل كوسيط جمركي في مطار نواكشوط الدولي. التحقيقات أزاحت الستار عن سلسلة من العمليات التي امتدت من نهاية 2022 حتى الأشهر الأخيرة، تتعلق باستيراد شحنات من دواء مجهول المصدر تحت اسم تجاري “NERVESESIC 300mg”.
الدور المحوري لولد أحمد بيه
اعترف موريس بنزا (ولد أحمد بيه) خلال استجوابه من طرف المحققين بأنه بدأ تعاونه مع محمد الأنوار أواخر عام 2022، حيث تولى مهام الترجمة والتواصل بين الأنوار وزبونه الهندي المسمى “باتيل”، الذي كان يتكفل بإرسال الأدوية من الهند. وأكد ولد أحمد بيه أن جميع الطلبات التي نقلها بين الطرفين كانت تقتصر على دواء واحد هو “نرفززيك 300 مغ”، دون أي تنوع في الطلبات.
وأضاف أنه كان يقوم بتحرير الطلبات وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية وإرسالها إلى “باتيل”، كما كان يستقبل الردود ويترجمها لمحمد الأنوار. وأقرّ بمساهمته في استقدام شحنة من الأدوية من الهند، وصلت عبر مطار باماكو في مالي، ثم نُقلت براً إلى موريتانيا، غير أنه أشار إلى أنه لا يعلم ما إذا كانت هذه الشحنة تحتوي على نفس الدواء أو غيره.
ووفق ما جاء في اعترافاته، فقد كانت الشحنات تأتي بمعدل مرة كل شهرين إلى ثلاثة أشهر، وكان حجم كل شحنة يبلغ نحو 150 كيساً. وعن المقابل المالي، ذكر ولد أحمد بيه أنه كان يتلقى مبالغ تتراوح بين 50 ألف إلى 100 ألف أوقية قديمة من محمد الأنوار، دون وجود راتب ثابت أو عقد عمل.
ورغم اعترافه بتورطه في الجانب اللوجستي من التواصل والاستيراد، نفى ولد أحمد بيه أن يكون شارك في عمليات نقل أو تخزين الأدوية، مضيفاً أنه لم يشك في قانونية الدواء نظراً لوصوله عبر المطار، ما كان يعزز لديه قناعة بأنه دواء مرخّص.
المطار: حلقة التهريب الحرجة
التحقيقات شملت أيضاً المتهم المصطفى عبد الله جنك، المولود سنة 1963 في مدينة كيفة، والذي يعمل وسيطاً جمركياً في جناح الشحن بمطار نواكشوط الدولي. جنك أقرّ للمحققين بأنه توسط للمتهم محمد الأنوار في تمرير شحنتين إلى ثلاث من الأدوية عبر المطار، مؤكداً أن الأنوار قدم له ملفات مكتملة من الناحية الإدارية، تتضمن موافقة صريحة من إدارة الصيدلة.
وأوضح جنك أنه كان يتولى تقديم التصاريح لجمارك المطار، ويتابع مسار البضاعة حتى إخراجها، حيث يقوم الجمرك عادة بأخذ عينة من الشحنة للاحتفاظ بها، ثم تُسلَّم الكمية كاملة إلى ممثل عن محمد الأنوار. وأكد جنك أنه لم يكن على علم بطبيعة الدواء أو محتواه، وأن دوره اقتصر فقط على الإجراءات الجمركية.
أما بخصوص المقابل المالي، فقد أكد أنه كان يتلقى حوالي 60 ألف أوقية قديمة عن كل شحنة، وهو مبلغ شامل لكل الرسوم من ضرائب، حمل داخلي، وإتاوات المطار، نافياً تلقيه لأي مبالغ إضافية. وأشار إلى أنه في إحدى المرات طالب الأنوار بمبلغ 5000 أوقية قديمة إضافية دون استجابة.
واستعرض جنك حالة واحدة أثارت الريبة في نفسه، حيث تلقى من الأنوار وثائق ناقصة لشحنة أدوية، وتحديداً وثيقة غير موقعة من إدارة الصحة، ما جعله يمتنع عن تقديم التصريح إلى أن تم تزويده بالوثيقة الموقعة لاحقاً، وهي المناسبة الوحيدة التي التقى فيها بمحمد الأنوار وجهاً لوجه.
خيوط الملف: ما زال الغموض قائماً
رغم الاعترافات المفصلة، يبقى الملف مثقلاً بالعديد من الأسئلة الجوهرية: ما هو هذا الدواء تحديداً؟ وهل فعلاً تم ترخيصه قانونياً؟ وهل يوجد تواطؤ محتمل من جهات داخلية تسهّل العبور الجمركي؟ الأكيد أن مسار التحقيق لا يزال مفتوحاً، وقد يأخذ منحى أوسع ليشمل أطرافاً إضافية، وربما يكشف عن شبكة أكبر مما يبدو حتى الآن.
خلاصة:
الملف لا يتعلق فقط بعملية استيراد دواء، بل بشبكة معقدة من العلاقات والوسطاء والوثائق الرسمية. التحقيقات الحالية تبرز أهمية مراجعة آليات التصريح والاستيراد عبر المنافذ الجوية، وتطرح ضرورة إحكام الرقابة على ما يدخل البلاد تحت غطاء “الدواء”، ضماناً لسلامة المواطنين ومصداقية النظام الصحي.