ثقافة

مقهى “مام خليل” في أربيل: إرث ثقافي واجتماعي يتجاوز الزمن

في قلب مدينة أربيل، حيث تتداخل الأصالة مع عبق التاريخ، يقف مقهى “مام خليل” شامخًا، ليس مجرد مكان لتناول الشاي، بل رمز حي يحفظ ذكريات أجيال متعاقبة، ويشكل جزءًا من ذاكرة المدينة الاجتماعية والثقافية.

تأسس هذا الصرح العريق عام 1952، ليصبح منذ ذلك الحين ملتقى لسكان أربيل، شاهداً على الحكايات اليومية والروابط الاجتماعية التي تربط أهل المدينة ببعضهم البعض.

إدارة عائلية والتزام بالحفاظ على الإرث

يروي محمد خليل، الابن والوريث الذي يدير المقهى حاليًا، بحس من الفخر والمسؤولية: “مقهى مام خليل يمثل تاريخ أربيل ورمزًا للحفاظ على التراث”. بعد وفاة والده عام 2015، عاد محمد من خارج العراق لتولي إدارة المقهى، مؤكداً: “عدت لإدارة المقهى لأنه إرث والدي، وحافظت عليه وجعلته أفضل مما كان عليه”، في تأكيد على التعلق العائلي العميق بالمقهى ودوره في الهوية الأربيلية.

جدران تحكي تاريخ المدينة

تُعد جدران المقهى معرضًا حيًا لصور وشخصيات بارزة من أربيل، من سياسيين وفنانين ورياضيين، جمعها مؤسس المقهى، مام خليل، ليصبح كل ركن في المكان شهادة على تاريخ المدينة. وكانت أول صورة عُلقت على الجدران هي صورة مؤسس المقهى نفسه، لتكون حجر الزاوية لذاكرة “مام خليل” المصورة.

ويمتاز المقهى بموقعه داخل مبنى “القيصرية” التاريخي، الذي يعود تاريخه إلى نحو 280 عامًا، ما يعزز ارتباطه بالتراث المعماري العريق لأربيل ويمنحه بعدًا تاريخيًا إضافيًا.

ملتقى للأجيال والصداقات

لطالما كان المقهى ملتقى لسكان المنطقة، حيث يتوافد الزوار منذ الصباح الباكر لتناول الفطور وشاي الصباح، نسج خلالها صداقات وعلاقات متينة عبر الأجيال. ويشير محمد خليل إلى قصة أحد الرواد الذي أكد أن 9 أجيال من عائلته ارتادت المقهى، مما يبرز الدور المحوري لـ “مام خليل” كملتقى للأجيال وحافظ لذاكرة المدينة الحية.

ويقول “رفعت بالاني”، أحد رواد المقهى، إن المكانة التاريخية والاجتماعية للمقهى لا تضاهى، إذ يجمع مختلف الأطياف والشخصيات من جميع أنحاء البلاد، ويعد معرضًا حيًا لتاريخ وثقافة المنطقة من خلال الصور التذكارية للشخصيات البارزة التي زارت المقهى، من رؤساء وقادة سياسيين وفنانين وتجّار.

أكثر من مجرد مقهى

ويؤكد “هردي عبد الله عثمان”، من رواد المقهى الدائمين منذ أكثر من عشر سنوات، أن “مام خليل” يمثل رمزًا للهوية الثقافية والاجتماعية لأربيل، ويقول: “الشباب يرون أنه أجمل مقهى، ولدي ذكريات مع والدي هنا، وكلما نزت إلى السوق، لا بد أن أزور المقهى لتناول الشاي”.

وأشار عثمان إلى أن المقهى يجذب شخصيات بارزة، بما في ذلك سياسيين ومحافظين، وأن حيوية السوق المحيط بالمقهى تضيف للمكان طابعًا نابضًا بالحياة والنشاط.

إرث حي ووجهة للأجيال

يبقى مقهى “مام خليل” أكثر من مجرد مكان لتناول الشاي؛ إنه صرح ثقافي واجتماعي، حامل لإرث عائلي وتاريخي عريق، ووجهة مفضلة للأجيال المختلفة، شاهداً صامداً على نبض مدينة أربيل وذاكرتها الحية.

زر الذهاب إلى الأعلى