مقترح الإدارة الأمريكية للحوار مع حماس بين المصالح السياسية والشرعية الدولية

شهد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي محاولات عديدة للوصول إلى تسوية سياسية، بعضها كان مباشراً، بينما لجأت إسرائيل أحياناً إلى أطراف ثالثة كوسطاء، أو إلى “وكلاء” غير رسميين لنقل الرسائل أو تهيئة الأجواء للحوار.
في هذا السياق، برزت تقارير عن أن إسرائيل تفكر في استخدام طرف ثالث، كجهة غير رسمية أو استخباراتية، لغرس مقترحاتها للحوار مع حركة حماس، سواء بهدف الوصول إلى تفاهمات محدودة أو بهدف اختبار نوايا الحركة بشأن تهدئة طويلة الأمد.
ولكن، في ظل كون إسرائيل قوة احتلال وفق القانون الدولي، وحماس تمثل فصيلاً يقاوم الاحتلال ويسعى لتحرير فلسطين، فإن أي مقترح للحوار يجب أن يُقرأ في سياقه السياسي والقانوني، لا سيما في ظل وجود مقترح أمريكي لطريقة إدارة هذا النزاع.
طبيعة المقترح الإسرائيلي وأهدافه
تعتمد إسرائيل في سياستها التفاوضية على استراتيجيات غير مباشرة عند التعامل مع حماس، خاصة عبر وسطاء إقليميين مثل مصر وقطر، أو عبر قنوات استخباراتية غير معلنة. ويهدف هذا النهج إلى تحقيق عدة أهداف:
- قياس موقف حماس: من حيث مدى استعدادها للموافقة على اتفاقيات تهدئة طويلة الأمد أو تقديم تنازلات.
- إدارة الصراع بدلاً من حله: تسعى إسرائيل إلى تهدئة الأوضاع وليس إلى حلٍّ دائم للقضية الفلسطينية، وذلك بهدف تقليل حدة التصعيد العسكري دون تقديم أي التزامات سياسية.
- تقويض الدور الفلسطيني الرسمي: من خلال التفاوض غير المباشر مع حماس، تحاول إسرائيل تقويض دور السلطة الفلسطينية وإضعاف موقفها في أي عملية تفاوضية مستقبلية.
- إعادة ضبط موازين القوى داخل غزة: عبر محاولة فرض ترتيبات جديدة تهدف إلى تعزيز الفاعلين الذين يمكنهم قبول “سلام اقتصادي” بدلًا من الحلول السياسية.
العدالة والشرعية الدولية في المقترح الأمريكي
تتدخل الولايات المتحدة بشكل مستمر في إدارة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وغالبًا ما تكون مقترحاتها منحازة لصالح إسرائيل. ففي ظل واقع الاحتلال، فإن أي مقترح أمريكي لا ينطلق من الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة، بما في ذلك حق تقرير المصير، يصبح مجرد وسيلة لإطالة أمد الاحتلال وليس لإنهائه.
من منظور العدالة، فإن أي حوار أو تسوية يجب أن يقوم على:
- الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية وفق القانون الدولي، وليس مجرد ترتيبات أمنية مؤقتة.
- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي كشرط أساسي لأي حل عادل، وهو ما تتجاهله معظم المقترحات الأمريكية.
- ضمان حق الفلسطينيين في المقاومة المشروعة وفق قرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في النضال لاستقلالها.
رأي القانون الدولي
وفق القانون الدولي، يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، وهو ما أكدت عليه قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973)، اللذين يدعوان إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. كما ينص القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، على مسؤولية دولة الاحتلال في حماية السكان المدنيين وضمان حقوقهم، وهو ما تنتهكه إسرائيل باستمرار.
أما فيما يتعلق بحماس، فإن تصنيفها كحركة “إرهابية” من قبل بعض الدول لا ينفي واقع أنها فصيل فلسطيني له شرعية داخلية، وأن القانون الدولي يعترف بحق الشعوب المحتلة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال. ومن هذا المنطلق، فإن أي مقترح يجب أن يكون مبنيًا على الاعتراف بالطرفين وليس محاولة فرض شروط مجحفة على المقاومة الفلسطينية.
الخاتمة
إن أي مقترح لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي يجب أن يُقرأ في ضوء القواعد القانونية الدولية وموازين القوى السياسية. في ظل استمرار الاحتلال، فإن أي حوار يكون هدفه تثبيت الوضع القائم دون معالجة جذور الصراع، يصبح مجرد وسيلة لشرعنة الاحتلال بشكل غير مباشر. أما العدالة، فتقتضي أن يكون أي حوار أو تسوية قائمًا على إنهاء الاحتلال وضمان حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وليس مجرد حلول جزئية تخدم مصالح القوى الكبرى دون تحقيق السلام العادل.
إعداد: محمد عبد الله محمدن