مستقبل القضية الفلسطينية: بين واقع الصراع وإمكانات التحرر

تمثل القضية الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا السياسية والإنسانية تعقيدًا واستمرارية في التاريخ الحديث. وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على بداية الاحتلال الإسرائيلي، فإن المسألة لا تزال تثير الجدل والاهتمام العالمي، وتحظى بحراك سياسي وشعبي مستمر. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن تنال فلسطين استقلالها الكامل في ظل الحرب والحوار والإبادة؟ ومتى يمكن أن يتحقق ذلك، إن أمكن؟ وهل ما زال للعرب دور حقيقي في هذه القضية، أم أنهم أصبحوا جزءاً من شبكة تحالفات تعمل على خدمة مصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية؟
أولاً: فلسطين بين الإبادة والمقاومة
منذ نكبة عام 1948 مرورًا بنكسة 1967 وحتى العدوان الأخير على غزة، يعيش الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال والإبادة الممنهجة. إلا أن هذه السياسات لم تُفلح في القضاء على الهوية الوطنية الفلسطينية ولا على مشروع التحرر، بل عززت من مركزية المقاومة كنهج استراتيجي في مواجهة الاحتلال. ورغم الآلة العسكرية الإسرائيلية والدعم الغربي اللامحدود، فإن المقاومة – سواء المسلحة أو الشعبية – أثبتت قدرتها على الاستمرار والتجدد.
ثانياً: إمكانات الاستقلال والتحرر
رغم سوداوية المشهد، لا يُستبعد تحقيق الاستقلال الفلسطيني في المدى الطويل، إذ تشير تجارب الشعوب المستعمَرة أن الاستقلال لا يُمنح بل يُنتزع. العوامل التي قد تسهم في هذا التحول تشمل:
- استمرار المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.
- تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، خاصة مع تصاعد حركة المقاطعة (BDS).
- المتغيرات الإقليمية والدولية التي قد تُضعف من نفوذ الولايات المتحدة وتعيد رسم توازن القوى.
ومع ذلك، فإن هذه العوامل وحدها لا تكفي، ما لم تُترجم إلى استراتيجية موحدة وقيادة سياسية قادرة على استثمار اللحظة التاريخية.
ثالثاً: الموقف العربي: جدية أم خيانة؟
الواقع العربي منقسم حيال القضية الفلسطينية. ففي حين ما زالت بعض الدول تدعم القضية مبدئيًا، اتجهت دول أخرى نحو التطبيع العلني مع إسرائيل في إطار ما يُعرف بـ”اتفاقات إبراهام”. هذا التوجه يكشف عن تراجع كبير في الموقف العربي، ويثير شكوكًا حول مدى التزام الأنظمة بالقضية الفلسطينية.
من جهة أخرى، تؤكد تقارير عديدة وجود تعاون أمني وسياسي بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، ما يعزز فرضية “العمالة الخفية”، حيث يتم تقديم المصالح القُطرية والضمانات الأمريكية على حساب الحقوق الفلسطينية.
خاتمة
استقلال فلسطين ليس مستحيلًا، ولكنه لن يكون سهلًا. إنه مرهون بإرادة الشعب الفلسطيني أولًا، ثم بدعم الشعوب الحرة حول العالم، وليس فقط الأنظمة. أما الأنظمة العربية، فقد فقدت في كثير منها شرعيتها الأخلاقية أمام شعوبها، وارتبطت مصالحها بأنظمة الهيمنة الغربية.
وختامًا، فإن من يراهن على الزمن وحده قد يُخدع، أما من يراهن على وعي الشعوب ومقاومتها، فقد يَرى فجر فلسطين الحرة وإن طال الطريق.
رئيس التحرير