الأخبار العالمية

مركز التنسيق المدني العسكري في غزة.. كواليس هندسة المستقبل وسط غياب الصوت الفلسطيني

في مستودع واسع أعيد توظيفه داخل منطقة صناعية في جنوب إسرائيل، يعمل مئات الجنود الأميركيين والإسرائيليين إلى جانب ضباط أمن عرب ودبلوماسيين غربيين وعاملين إنسانيين، تحت سقف واحد، لرسم ملامح المرحلة المقبلة في قطاع غزة. بهذه المقدمة افتتحت صحيفة نيويورك تايمز تقريرها الذي أعدّه مراسلوها المختصون بالشأن الإسرائيلي الفلسطيني: آرون بوكسرمان، آدم رسغون، ناتان أودنهايمر، وديفيد هالبفينغر.

يسلط التقرير الضوء على ما بات يُعرف بـ مركز التنسيق المدني العسكري لقطاع غزة، حيث تجتمع فرق أميركية وإسرائيلية مع ضباط عرب وخبراء دوليين من أوروبا ومناطق أخرى، لمناقشة ملفات تشمل الأمن، والحكم المدني، والمساعدات الإنسانية. المهمة المعلنة لهذا الفريق هي تثبيت وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحركة حماس، غير أن دوره يمتد – وفق التقرير – إلى صياغة خطط شاملة لمستقبل غزة بعد الحرب، وذلك بما يتماشى مع مبادرة السلام الأميركية ذات النقاط العشرين التي تنص على نزع سلاح حماس وإعادة إعمار القطاع ضمن إدارة فلسطينية جديدة.

ورغم كثافة الجهود داخل هذا المركز، ينقل التقرير شهادات تشير إلى أن العمل يأخذ طابع “شركة ناشئة فوضوية”، في ظل غياب تام لأي تمثيل فلسطيني رسمي. هذا الغياب أثار تحذيرات دبلوماسية واضحة مفادها أن “أي رؤية لا يشارك الفلسطينيون في صياغتها محكوم عليها بالفشل”.

وتعقد في المنشأة الواقعة في كريات غات—على مسافة 13 ميلاً فقط من حدود غزة—اجتماعات يومية يقودها كبار الضباط الأميركيين، تتناول ملفات تتراوح بين الاستخبارات والمساعدات الإنسانية والحكم المدني. ويصف أحد الدبلوماسيين المشهد قائلاً إن الجلسات تُعقد على طاولات مفتوحة وباستخدام سبورات بيضاء، وبعناوين تبدو خفيفة رغم حساسية مواضيعها، مثل “الثروات المائية” و”حوكمة ما بعد الحرب”.

غير أن خلف هذا الحراك التنظيمي، تلوح مقارنات غير مريحة مع التجارب الأميركية في العراق وأفغانستان، حيث يشير بعض المشاركين إلى أن مشاهد إعداد خطط إعادة إعمار غزة تعيد إلى الذاكرة مشاريع إعادة الإعمار التي لم تحقق نتائج ملموسة في البلدين.

ويقود العمل اليومي داخل المركز فريق يرأسه آرييه لايتستون، المستشار السابق في إدارة الرئيس دونالد ترامب والمسؤول – وفق دبلوماسيين – عن تطوير “الرؤية الإستراتيجية” لغزة. ويشارك في المنظومة ضباط ودبلوماسيون من عشرات الدول، من بينها كندا وألمانيا والإمارات وسنغافورة. بعضهم يمتلك خبرات واسعة في المنطقة، بينما وصل آخرون بحدّ أدنى من المعرفة، لدرجة أن جلسة تعريفية أُعدّت لهم تحت عنوان: “ما هي حماس؟”.

وتكشف وثائق داخلية – بحسب الصحيفة – أن المركز يعمل على تصورات لإنشاء “مجتمعات آمنة بديلة”، وهي تجمعات سكنية مقترحة لإيواء الفلسطينيين داخل مناطق تسيطر عليها إسرائيل، بهدف توفير بيئة مستقرة وجاذبة. إلا أن دبلوماسيين أعربوا عن تشككهم في إمكانية قبول الفلسطينيين بهذه الفكرة، محذرين من أنها قد تؤدي إلى تكريس تقسيم دائم للقطاع.

وبينما تحافظ إسرائيل على سيطرتها الفعلية على الملفات المدنية عبر هيئة “منسق أعمال الحكومة في المناطق”، يسعى مسؤولون أميركيون لوضع المساعدات الإنسانية تحت إشراف مركز التنسيق. ويؤكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الكابتن تيم هوكينز، دخول “نحو 800 شاحنة مساعدات يوميًا”، إلا أن التقرير يشير إلى أن نفوذ المركز على هذا الملف لا يزال محدودًا.

ورغم أن وقف إطلاق النار المدعوم أميركيًا أوقف حربًا مدمرة استمرت أكثر من عامين، فإن الاتفاق لم ينهِ الصراع فعليًا. ولا تزال واشنطن تضغط على الجانبين للانتقال إلى المرحلة التالية من الخطة الأميركية، والتي تشمل نزع سلاح حماس، ونشر قوة دولية للاستقرار، وإعادة إعمار المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

وتقدم الجولات الإعلامية الأخيرة – التي شارك فيها نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو – لمحة نادرة عن سير العمل داخل المركز. فقد شاهد الصحفيون ضباطًا أميركيين يعرضون تصوّرًا أوليًا لشرطة فلسطينية مستقبلية، بينما تُظهر خرائط ملوّنة مناطق السيطرة الإسرائيلية، ومواقع وجود حماس، وحدود خطوط الانسحاب.

ورغم النشاط المتواصل داخل المستودع، فإن السؤال الجوهري يظل مطروحًا بإلحاح: إلى أي مدى يمكن صياغة مستقبل غزة في غياب الفلسطينيين أنفسهم عن طاولة النقاش؟

زر الذهاب إلى الأعلى