مجرد سؤال : ماذا قدّم ترامب لإيران حتى تقبل إنهاء الحرب مع ” الكيان الصهيون

في إعلان مفاجئ يشبه صدمةً سياسية أكثر منه اتفاقًا دبلوماسيًا كلاسيًا، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إن إيران وافقت على إنهاء “الحرب” مع “سلطات الاحتلال”، وإن اتفاقًا بهذا الشأن سيدخل حيّز التنفيذ بعد 12 ساعة. لكن خلف هذا الإعلان المسرحي، تكمُن أسئلة جوهرية تتطلب تحليلاً موضوعيًا للبيئة الإقليمية والدولية التي دفعت طهران لتغيير خطابها فجأة، أو على الأقل للظهور بموقف أكثر مرونة.
ماذا قدّم ترامب؟
رغم أن التفاصيل الرسمية للاتفاق لم تُنشر، إلا أن مؤشرات متعددة يمكن قراءتها من الخطاب السياسي والميداني، وتُشير إلى أن ترامب قدّم مجموعة مغريات مشروطة، منها:
رفع تدريجي للعقوبات الأميركية الأكثر إيلامًا، خاصة تلك المرتبطة بالنفط والمعاملات البنكية.
إعادة الأموال الإيرانية المجمدة في المصارف الدولية، مثل كوريا الجنوبية والعراق، والتي تقدر بعشرات المليارات.
ضمانات بعدم الاعتداء، سواء من واشنطن أو حلفائها، خصوصًا في حال التهدئة من طرف إيران وحلفائها في لبنان واليمن.
موافقة ضمنية على دور إيراني إقليمي “مُقيّد”، مقابل سحب البُعد العسكري من نفوذها.
ما الذي أجبر إيران على قبول الاتفاق؟
رغم خطابها الصلب، تعيش طهران وضعًا معقدًا داخليًا وخارجيًا، قد يجعل القبول باتفاق مثل هذا خيارًا اضطراريًا وليس انتصارًا تفاوضيًا:
الضغط الاقتصادي المتزايد
الإقتصاد الإيراني يئن تحت وطأة العقوبات، مع انخفاض قيمة الريال وارتفاع التضخم والبطالة.
صادرات النفط، رغم التحايل، لا تزال محدودة، ولا يمكن للإيرانيين الوصول الحر للدولار أو النظام البنكي العالمي.
الإضطرابات الداخلية
شهدت إيران موجات احتجاج شعبي (معلنة وخفية) في مدن عدة، بسبب الغلاء والبطالة والفساد، مما جعل النظام بحاجة لتهدئة خارجية لامتصاص الداخل.
تراجع الحلفاء
الحوثيون في اليمن باتوا في مرمى استهداف متزايد من الغرب والرياض، وحزب الله يعاني ضغوطًا مالية هائلة.
سوريا لم تعد ساحة مريحة كما في السابق بسبب التنافس الروسي–الإيراني والوجود الأميركي والتركي.
تبدل المزاج الشعبي الإقليمي
تنامي الحركات التطبيعية في الخليج والمغرب وشرق أفريقيا يجعل إيران أكثر عزلة دبلوماسية، ويقلّل من وزن خطابها التقليدي حول “تحرير فلسطين”.
قراءة في “الخطاب الترامبي” وأدواته النفسية
ترامب، بعكس الإدارات الكلاسيكية، يُجيد استخدام خطاب الانتصار حتى في لحظات التفاوض، وغالبًا ما يُحوّل التفاهمات المحدودة إلى “صفقات كبرى”. ولذلك، من المرجّح أنه يضخّم النتائج، رغم أن الواقع قد يكون مجرد تفاهم على وقف إطلاق نار غير مُعلن بين إيران وتل أبيب، بوساطة أميركية مباشرة أو غير مباشرة.
هل نحن أمام اتفاق حقيقي؟
من الناحية القانونية والدبلوماسية، لم تُعلن إيران رسميًا قبولها لأي اتفاق بهذا المضمون، بل أن خطاباتها تبقى رمادية وتحتمل التأويل. وبالتالي، فإن الحديث عن “اتفاق” قد لا يكون دقيقًا، بل هو “ترتيب مرحلي” لخفض التصعيد، خاصة في ظل تهديدات الحرب متعددة الجبهات في المنطقة.
الخلاصة: مزيج من الضرورة والفرصة
إيران لم تُقدِم على هذا التحول لأنها تغيرت، بل لأن الظروف تغيّرت.
ترامب، بحنكته التجارية والسياسية، عرف كيف يُقدّم عرضًا يبدو جذابًا في لحظة هشاشة استراتيجية.
أما طهران، فاختارت خفض التصعيد مرحليًا، على أمل تحسين وضعها التفاوضي لاحقًا، واستعادة أنفاسها اقتصاديًا، دون أن تتنازل رسميًا عن عقيدتها الصلبة تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
إنه “اتفاق الضرورة” لا “اتفاق القناعة”.
وما أعلنه ترامب ليس نهاية مرحلة بل بداية لتكتيك جديد، ستسعى فيه طهران للحفاظ على توازن دقيق بين خطاب المقاومة وضرورات البقاء الاقتصادي. أما المنطقة، فتدخل لحظة فارقة، قد تُنذر إما بانفراج محدود… أو بانفجار مؤجّل.
رئيس التحرير