اقتصاد

مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين: دعم دولي محدود لسوريا في عام 2025

عُقد مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا في 17 مارس 2025، بتنظيم من الاتحاد الأوروبي، بهدف حشد الدعم الدولي لعملية الانتقال السياسي السلمي في سوريا ولتلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين داخل البلاد وفي الدول المضيفة للاجئين.

وكانت هذه المرة الأولى التي تمثل فيها سوريا رسميًا في هذا الحدث السنوي، حيث حضر المؤتمر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الذي أكد التزام بلاده بالتعاون مع الشركاء في المجال الإنساني لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. ودعا الشيباني الدول المانحة إلى تعزيز مساهماتها في جهود إعادة الإعمار ودعم مشاريع التنمية المستدامة.

الالتزامات المالية ومشاركة الاتحاد الأوروبي

بلغ إجمالي التعهدات المالية في المؤتمر 5.8 مليارات يورو (6.3 مليارات دولار)، منها 4.2 مليارات يورو (4.56 مليارات دولار) كمنح، و1.6 مليار يورو (1.74 مليار دولار) كقروض ميسرة. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر جهة مانحة، حيث تولت دوله الأعضاء تمويل 80% من إجمالي المنح المقدمة. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيتعهد بتقديم 2.5 مليار يورو (2.71 مليار دولار) لدعم السوريين داخل سوريا وفي دول اللجوء خلال عامي 2025 و2026.

انخفاض في التعهدات مقارنة بالسنوات السابقة

شهد المؤتمر تراجعًا في التعهدات المالية لسوريا مقارنة بالسنوات الماضية، حيث بلغ إجمالي التعهدات في العام الماضي 7.5 مليارات يورو (8.15 مليارات دولار)، في حين تعهد الاتحاد الأوروبي هذا العام بنحو 5 مليارات يورو (5.43 مليارات دولار).

وحسب الخبير الاقتصادي يونس الكريم، كان من المتوقع أن تشكل تعهدات مؤتمر بروكسل نواة لإعادة بناء البنية التحتية، خاصة في قطاعات الصحة والصرف الصحي، بالإضافة إلى استقطاب اللاجئين، لكن هذه التوقعات لم تتحقق. أما الخبير أسامة القاضي فقد أشار إلى أن المنح المعلن عنها تعتبر جيدة بالنظر إلى دور المنظمات الدولية في تنفيذها، لكنها لا تكفي لتلبية احتياجات سوريا.

أسباب انخفاض المساعدات المالية

يشير الباحث حسن المروان إلى أن القيمة الفعلية المتوقعة للمساعدات لعام 2025 قد لا تتجاوز 3.48 مليارات يورو (3.78 مليار دولار)، مع تخصيص جزء من المساعدات لدول مثل تركيا التي ستتلقى حوالي مليار يورو (1.08 مليار دولار).

ويضيف المروان أن جزءًا من هذه التعهدات سيذهب إلى تغطية مصاريف إدارية لمنظمات الأمم المتحدة التي ستشرف على توزيع المساعدات. كما أن العقوبات الأميركية المفروضة على البنك المركزي السوري كانت من الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة المساعدات، خاصة مع امتناع الولايات المتحدة عن تقديم دعم مالي هذا العام بعد تقييم جديد لسياساتها.

رسائل سياسية وغياب التمويل الأميركي

في السياق السياسي، يعتقد القاضي أن دول الاتحاد الأوروبي كانت تحاول إرسال رسائل سياسية للحكومة السورية عبر المؤتمر، بما في ذلك ضرورة رفع العقوبات ودعم الحكومة الانتقالية. وفي هذا الصدد، يرى حسن المروان أن غياب الدعم المالي من الولايات المتحدة كان بمثابة رسالة سياسية واضحة لسوريا.

الآفاق المستقبلية والشراكة المالية

رغم هذه التحديات، يرى يونس الكريم أن انضمام سوريا إلى نظام “سيبا” الأوروبي (SEPA) لتسهيل التحويلات المالية يمكن أن يسهم في تسهيل العمليات التجارية وتحويل الأموال باليورو من دول الاتحاد الأوروبي إلى البنك المركزي السوري، مما يعزز الشراكة المالية بين سوريا والدول الأوروبية.

من جانب آخر، تعتبر المساعدات التي يتم تقديمها غير كافية لمواجهة الأزمة الغذائية المتزايدة في سوريا، خاصة بعد أن قدمت ألمانيا 300 مليون دولار كمساعدات غذائية وصحية، التي تغطي 30% فقط من احتياجات الفاتورة الغذائية الشهرية، مما يزيد من القلق حول قدرة الدول المانحة على تغطية باقي الاحتياجات.

في النهاية، يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت هذه التعهدات المالية ستُترجم إلى تغييرات ملموسة على الأرض أم ستظل مجرد أرقام في تقارير سنوية في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المستمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى