ثقافة

كيف ينهض شعب في قبضة التجهيل والتجويع؟

في بلد تضاءلت فيه نسبة الوعي، وافترست لوبيات السلطة ما تبقى من آمال الناس في الإصلاح، تبدو أسئلة النهضة ضربًا من السذاجة أو الحلم. نظام سياسي يُفلس منظومة التعليم عمدًا، ويخنق الحريات، ويُقنع المواطن أن الخضوع فضيلة، وأن الخوف من المجهول أسلم من مواجهة المعلوم. في وطن تزداد فيه أعداد الفقراء، بينما تتضخم ثروات الأقليات المتحكمة، تُستخرج الثروات الباطنية وتُنقل إلى الخارج، ولا يعود منها إلا الفتات الذي لا يُرى أثره على حياة المواطنين.

كلما أشرأبت أعناق الحالمين برفع الأجور أو خفض الأسعار، عادوا بخيبة ثقيلة، لا يرون إلا الطوابير المتزايدة أمام المساجد والأسواق، والوجوه المنهكة تخفي عار السؤال خلف لثامٍ كان يومًا رمزًا للحياء، فأصبح اليوم قناعًا للحاجة.

السؤال الملحّ: كيف يخرج شعب من هذا المستنقع؟ كيف يكسر دائرة الخوف والتجهيل، ويستعيد إنسانيته وكرامته؟

  1. الرهان على وعي الأقلية

ليست النهضة شأن الأغلبية في بداياتها. التغيير يبدأ من أقلية واعية، مؤمنة، منظمة. قلة ترفض الصمت، وتُراكم الوعي، وتنقل العدوى الصالحة إلى غيرها. لا يحتاج التغيير إلى جمهور غفير، بل إلى نواة صلبة تعرف ماذا تريد، وكيف تزرع الأمل وسط الرماد.

  1. البناء من القاعدة

حين تُقفل أبواب الإصلاح من فوق، يجب أن يُبنى من تحت. مبادرات التعليم الشعبي، والمراكز المجتمعية، والمجموعات الثقافية غير الرسمية، تشكل بذورًا لصناعة وعي بديل. الناس الذين فَقَدوا الثقة في الدولة، يمكنهم استعادة الثقة في أنفسهم ومجتمعهم.

  1. كسر هيمنة الخطاب الرسمي

الأنظمة الاستبدادية لا تكتفي بالتحكم في الاقتصاد والسياسة، بل تصنع “حقيقة بديلة”. مهمة التغيير الأولى هي فضح هذه الأكاذيب، والسخرية منها، وتقديم رواية مغايرة للناس. أدوات التواصل الرقمي اليوم، مهما قُمعت، تتيح للمواطن أن يكون إعلامه الخاص.

  1. وعي الفقر ليس عيبًا

الوعي السياسي لا يعني التنظير أو الحزبية. هو ببساطة أن يعرف المواطن أن فقره ليس قدَرًا، بل نتيجة لسياسات معينة. أن يدرك العلاقة بين قرارات تُتخذ في القصور، ومعاناته اليومية في السوق والمشفى والمدرسة. هذه القناعة وحدها قادرة على تحويل الاستكانة إلى رفض.

  1. أمل واقعي لا شعارات جوفاء

الناس لا يكرهون الأمل، بل يكرهون الكذب. يجب أن يُبنى الأمل على قصص حقيقية، على نجاحات صغيرة، على مبادرات صامدة في وجه القمع. الأمل لا يُستورد، بل يُصنع، ولو بأدوات بسيطة.

  1. الانفجار قادم… لكن متى؟

التاريخ يعلمنا أن الشعوب لا تنام إلى الأبد. حتى أكثرها استكانة تنهض حين تكتمل الشروط: وعي كافٍ، قهر متراكم، وشرارة ملهمة. لا أحد يعرف متى، لكن من يزرع اليوم، يُثمر غدًا.

  1. أخطر أعدائنا: العجز

الأنظمة الفاسدة لا تحكم بالقوة فقط، بل تبث في الناس شعورًا بأن لا شيء سيتغير. وظيفتنا الأولى هي كسر هذا الشعور. أن نقول لأنفسنا ولغيرنا: نعم، الطريق طويل، لكننا نستطيع أن نمشيه. خطوة بخطوة، وكلمة بكلمة.

ختامًا
لسنا أوّل شعب يمر بهذه المحنة، ولن نكون آخره. لكننا نملك فرصة، مهما بدت ضئيلة، أن نكتب فصلًا جديدًا. فصلًا يبدأ من الوعي، ويمر بالفعل، ويثمر يومًا كرامةً وحرية.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى