كيف نمنع فئات تتزايد بفعل التهميش والظلم من تلبية الدعوات الانفصالية والعنصرية

في دول تعاني هشاشة مؤسساتها، وتضارب أولويات نخبها، قد تجد فئات واسعة من المجتمع نفسها على هامش الحياة الوطنية، محرومة من ثمار التنمية، وعدالة التوزيع، وأبسط شروط الكرامة. ومع تراكم هذه المظالم، تصبح هذه الفئات بيئة خصبة لاستقطاب دعاة الانفصال ومروّجي الشعارات العنصرية، خصوصًا عندما تكون “العدالة” المعلنة محصورة في خطابات المناسبات، وتُقابل “المواطنة” بالتشكيك، و”الحق” بالتجاهل.
ومما يضاعف الخطر أن هذه الفئات لا تنتمي إلى عِرق واحد، ولا جهة واحدة، بل تشمل خليطًا من جميع المكونات الوطنية، ما يعني أن الأزمة وطنية الطابع، تتجاوز الخطاب الهوياتي الضيق، وتستدعي حلاً جذريًا لا تجميليًا.
تقنيات الخداع القديمة
لقد اعتاد بعض الساسة تسويق مشاريع مشبوهة تحت يافطة “تقريب الخدمات من المواطن”، لكن الواقع يكشف أن ما يُقرب بالفعل هو الفساد، والتجهيل الممنهج، والإقصاء المقنن. فلا صحة في الأطراف، ولا مدارس مؤهلة، ولا مشاريع إنتاجية تحفظ الكرامة أو تفتح أفقًا للشباب. وحتى حين يعلن رأس الدولة مكافحة الفساد، ويتم عزل بعض المتهمين، لا تكتمل العملية بالمحاسبة، بل تبقى عند حدود الإزاحة، دون سجن ولا مصادرة ولا كشف علني للثروات المنهوبة. وهو ما يزرع الإحباط ويُضاعف الشكوك.
ويقول مراقبون إن شبكات محسوبة على أقرب الدوائر الرئاسية، من العائلة والمحيط، تستغل النفوذ لجني الامتيازات، مستفيدة من ضعف الرقابة وغياب الإرادة السياسية الصلبة في إعمال القانون على الجميع دون تمييز.
ترسانة بلا سيف
لا أحد ينكر وجود قوانين متقدمة في مجال الشفافية والمساءلة، لكن المشكلة تكمن في التطبيق. ولعل أبرز الأمثلة هو وجود مشاريع عملاقة مرصودة في الميزانيات، لكنها إما لم تر النور أو ظهرت مشوهة وغير ضرورية، بينما تغيب المشاريع الحيوية في مناطق تئن من الحرمان.
ورغم إشادة البعض بمبادرات مثل مشروع “تآزر”، إلا أن حجمه وضخامته يطرحان أسئلة حول أولويات الدولة، ومدى نجاعة توجيه الموارد، وضرورة تقويم هذه المشاريع لتكون أكثر كفاءة وواقعية.
التصحيح الهيكلي بدل الشعارات
لمواجهة خطر الانجذاب نحو الطروحات الانفصالية، لا بد من تصحيح حقيقي يبدأ من:
دمقرطة التنمية: توزيع المشاريع بشكل عادل يراعي المناطق الأكثر هشاشة.
إصلاح جذري لمنظومة الفساد: بتفعيل أدوات المساءلة، ومحاسبة علنية للمفسدين.
تحصين الوحدة الوطنية: بتعزيز المواطنة المتساوية، لا الانتماء الزبوني أو الجهوي.
مراجعة الاتفاقيات غير المتكافئة: مثل الاتفاقيات الموقعة مع “تازيازت” وغيرها من شركات المعادن والغاز، والتي يجب إما أن تعاد صياغتها لصالح الدولة، أو أن تخضع لرقابة صارمة من هيئات مستقلة.
إن خطر التفكك لا يُعالج بالإدانة الخطابية، بل بالعدالة الملموسة، والتنمية المتوازنة، والصرامة في مكافحة الفساد، فالمواطن الذي يجد حقه محفوظًا، وكرامته مصونة، لن يلتفت إلى دعاة الكراهية والانفصال.
حمادي سيدي محمد آباتي