اقتصاد

قرار حظر استيراد السيارات المستعملة في سوريا يثير جدلاً واسعاً بين الضرورات الاقتصادية وتحديات الواقع المعيشي

في خطوة أثارت موجة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والشعبية، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية قراراً يقضي بوقف استيراد السيارات المستعملة اعتباراً من تاريخ صدوره، مع استثناءات محدودة شملت رؤوس القاطرة، الشاحنات، آليات الأشغال العامة، والجرارات الزراعية، بشرط ألا يتجاوز عمرها عشر سنوات عدا سنة الصنع. كما سمح باستيراد حافلات الركاب التي تحتوي على 32 مقعداً فأكثر، شريطة ألا يتجاوز عمرها أربع سنوات. وشمل القرار أيضاً منع استيراد السيارات الجديدة إذا تجاوز عمرها سنتين، باستثناء سنة الصنع.

توجه حكومي لتقليص الاستيراد وتعزيز الموارد الإنتاجية

يأتي القرار في إطار سياسة حكومية تهدف إلى ترشيد الاستيراد، والحد من استنزاف القطع الأجنبي، وتوجيه الموارد نحو دعم القطاعات الإنتاجية، وسط مساعٍ للحد من العجز في الميزان التجاري وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي.

إلا أن القرار يطرح تساؤلات واسعة حول مدى واقعيته، خاصة في ظل غياب صناعة سيارات محلية قادرة على تعويض النقص المتوقع في السوق، ما يفتح الباب أمام تداعيات محتملة على الأسعار والطلب.

ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء على المواطنين

أدى القرار بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة في السوق المحلية نتيجة تراجع المعروض، ما شكّل عبئاً إضافياً على المواطنين، ولا سيما ذوي الدخل المحدود الذين كانوا يعتمدون على هذا النوع من السيارات كخيار اقتصادي. وازدادت المخاوف من لجوء البعض إلى السوق السوداء أو التهريب، بما يحمله ذلك من آثار اقتصادية وأمنية سلبية.

المبررات الحكومية: تنظيم السوق وترشيد الموارد

وفي تصريح لموقع الجزيرة نت، أوضح مدير الاتصال الحكومي في وزارة الاقتصاد، قاسم كامل، أن القرار جاء نتيجة اختلال واضح في التوازن بالسوق بعد دخول أعداد كبيرة من السيارات المستعملة من مناطق خارجة عن الرقابة الجمركية، ما تسبب في ضغط على البنية التحتية، وأدخل مركبات غير مطابقة لمعايير السلامة.

وأشار إلى أن القرار يندرج ضمن رؤية اقتصادية شاملة تهدف إلى توجيه الإنفاق نحو أولويات إنتاجية، وتقليص الهدر في الموارد، والحد من إدخال مركبات منخفضة الجودة دون رقابة فنية. وأكد أن القرار لا يشمل السيارات المسجلة مسبقاً، ولا يمنع بيعها أو تسجيلها بشكل نظامي، كما أن الشحنات المتعاقد عليها قبل صدور القرار ستُسمح بدخولها، بشرط توثيقها جمركياً.

وأضاف كامل أن محدودي الدخل غالباً ما يشترون سيارات رديئة تتسبب لاحقاً في أعباء صيانة مرتفعة لغياب الضمانات الفنية والرقابة، وأن الوزارة تتابع آثار القرار عن كثب، وهي منفتحة على مراجعة سياساتها بما يحقق التوازن بين حماية الاقتصاد ومصالح المستهلكين.

وجهة نظر اقتصادية: قرار صحيح بآلية تنفيذ خاطئة

الخبير الاقتصادي فراس شعبو رأى أن القرار في جوهره يحمل منطقاً اقتصادياً سليماً، نظراً لاستهلاك قطاع السيارات قرابة ملياري دولار خلال ستة أشهر فقط، أي ما يقارب ثلثي موازنة الدولة لعام 2023. لكنه انتقد آلية التطبيق، مشيراً إلى أن قصر فترة السماح أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات المطابقة للشروط الجديدة لتتراوح بين 20 و25 ألف دولار، وهي تكلفة تفوق قدرات معظم السوريين.

ودعا شعبو إلى وضع معايير دقيقة لفحص السيارات المستوردة، وتشكيل لجنة فنية تدرس بدائل عملية مثل السماح باستيراد موديلات معينة ذات جودة عالية بدلاً من الحظر الشامل، مطالباً بنهج تدريجي أكثر واقعية.

ما بين مصالح التجار واحتياجات المواطنين

عبد الملك الأخرس، تاجر سيارات يستورد من أوروبا وأفريقيا، أشار إلى أن القرار سيزيد من أرباح من استوردوا قبل صدوره، في ظل تزايد الطلب وتراجع العرض، إلا أنه وصف القرار بأنه مجحف لذوي الدخل المحدود، حيث كانت السيارات المستعملة الجيدة تُباع سابقاً بأسعار تراوحت بين 3 و5 آلاف دولار، أما السيارات الحديثة فهي الآن خارج متناول الغالبية.

من جانبه، قال المواطن مصطفى عزام من مدينة سرمدا إن أسعار السيارات ارتفعت خلال يومين فقط بمقدار 4 آلاف دولار، وسط حالة من الترقب والامتناع عن البيع من قبل التجار، مضيفاً أن القرار كان يمكن أن يكون مقبولاً لو طُبق تدريجياً وبموازاة تحسين منظومة النقل العام، التي لا تزال غائبة عن معظم المدن السورية.

بين واقع السوق وتحديات التنفيذ

يرى مراقبون أن نجاح القرار يتوقف على قدرة الحكومة في تنفيذ سياسات موازية، تشمل تحسين البنية التحتية لوسائل النقل العام، أو طرح برامج تمويل ميسرة لشراء سيارات حديثة، فضلاً عن ضرورة وجود رقابة صارمة لمنع التهريب أو الاستغلال في السوق السوداء.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح الحكومة في خلق توازن بين الأهداف الاقتصادية الكلية والاحتياجات اليومية للمواطنين؟ وهل هناك نية جادة لتعديل القرار أو تخفيفه وفقاً لما قد يفرزه من تأثيرات واقعية على الأرض؟

زر الذهاب إلى الأعلى