فرضية جديدة: هل تسهم الخلايا النجمية في تخزين الذاكرة؟

طرح فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) فرضية علمية جديدة تعيد النظر في الدور الذي تلعبه الخلايا النجمية—إحدى خلايا الدماغ غير العصبية—في عملية تخزين الذاكرة. وتُعد هذه الفرضية بمثابة نقلة نوعية في فهم آلية عمل الدماغ، إذ تشير إلى أن قدرة التخزين الهائلة للدماغ قد لا تعتمد فقط على الخلايا العصبية كما كان يُعتقد سابقاً.
مساهمة محتملة في العمليات الإدراكية
بحسب البروفيسور جان جاك سلوتين، أستاذ الهندسة الميكانيكية وعلوم الدماغ والإدراك في MIT وأحد المشاركين في الدراسة، فإن الخلايا النجمية لم تعد تُعتبر مجرد خلايا داعمة تنظف محيط الخلايا العصبية. فكل خلية نجمية يمكن أن تتفاعل مع مئات الآلاف من نقاط الاشتباك العصبي، وهو ما يفتح المجال أمامها للقيام بوظائف حسابية وإدراكية معقدة.
الخلايا النجمية.. دور يتجاوز الدعم
تتسم الخلايا النجمية ببنية نجمية الشكل، مع امتدادات طويلة تمكّنها من التفاعل مع ملايين المشابك العصبية. ورغم اعتبارها سابقًا مجرد “خلايا داعمة”، فإنها تلعب دورًا في:
- تنظيف مخلفات الخلايا العصبية
- توفير العناصر الغذائية
- تنظيم تدفق الدم
- التواصل مع الخلايا العصبية عبر إشارات الكالسيوم
وقد أظهرت دراسات حديثة أن تعطّل الروابط بين هذه الخلايا والخلايا العصبية، خاصة في منطقة الحُصين (المسؤولة عن تكوين الذكريات)، يضعف من قدرة الدماغ على تخزين واسترجاع المعلومات.
نمذجة الذاكرة: من هوبفيلد إلى الشبكات الترابطية الكثيفة
اعتمد الفريق في دراسته على تطوير نموذج مستوحى من شبكات هوبفيلد العصبية، والتي طالما استخدمت لمحاكاة طريقة تخزين الأنماط واستدعائها في الدماغ. لكن تلك الشبكات، برغم جدواها، لم تتمكن من تفسير السعة التخزينية الهائلة للعقل البشري. ولهذا، طور الباحثون نموذجًا مطورًا يُعرف باسم “الذاكرة الترابطية الكثيفة“، يسمح بترميز معلومات أكثر عبر اقترانات متعددة الخلايا العصبية.
وهنا يبرز دور الخلايا النجمية، فهي تملك القدرة على الربط بين عدد كبير من الخلايا والمشابك العصبية، مما يمكّنها نظريًا من نقل المعلومات وتخزينها عبر تفاعلات معقّدة في المشابك العصبية، مستفيدة من تغيرات دقيقة في أنماط تدفق الكالسيوم.
نحو دماغ أكثر كفاءة وذكاء اصطناعي مستوحى من الأحياء
يرى الباحث ديمتري كروتوف من مختبر واتسون للذكاء الاصطناعي، أن الاعتماد على ترابط ثنائي بين الخلايا العصبية لا يكفي لتفسير سعة التخزين الكبيرة، ولكن عند إدخال الخلايا النجمية كوسيط، يمكن بناء شبكات تخزين “كثيفة وفعالة” بقدرات غير مسبوقة.
ويؤكد الباحث ليو كوزاتشكوف من MIT أن هذا النموذج يقدم فهماً أعمق لطريقة عمل الدماغ، حيث يُحتمل أن يتم ترميز الذكريات داخل الخلايا النجمية عبر تغيرات مستمرة في تدفق الكالسيوم، وتنقل لاحقاً عبر “النواقل الدبقية” إلى الخلايا العصبية.
واحدة من أبرز مزايا النموذج الجديد، حسب الباحثين، أنه يتعامل مع كل “عملية” داخل الخلية النجمية كوحدة حسابية مستقلة، ما يعزز من الكفاءة التخزينية ويخفض استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ.
من علم الأعصاب إلى الذكاء الاصطناعي
يرى الفريق البحثي أن هذه الدراسة لا تفتح فقط آفاقًا جديدة لفهم الدماغ البشري، بل تمثل أيضًا نقطة انطلاق جديدة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مستوحاة من البنية الحيوية العصبية. فبعد عقود من الانفصال بين أبحاث الدماغ وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، قد يشكل هذا العمل أحد أول الجسور الحديثة بين المجالين.
يقول سلوتين: “بينما ألهم علم الأعصاب في بدايته تطور الذكاء الاصطناعي، إلا أن تأثيره تراجع في العقود الأخيرة. ونأمل أن يمثل هذا النموذج خطوة جديدة في إعادة وصل هذا الربط الحيوي بين العقل والآلة”.