الأخبار العالمية

عودة التوتر النووي بين واشنطن وموسكو: تصعيد خطير أم مناورة تفاوضية؟

بعد فترة من الهدوء النسبي والتصريحات الدبلوماسية المتزنة، عادت أجواء التوتر لتلقي بظلالها على العلاقات بين واشنطن وموسكو، مع تصاعد غير مسبوق في حدة الخطاب بين الطرفين. ففي تطور لافت، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يوم الجمعة، عن إصدار أوامر بنشر غواصتين نوويتين في مواقع “مناسبة”، رداً على ما وصفه بـ”تصريحات استفزازية للغاية” أدلى بها الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، ديمتري ميدفيديف.

إنذار صارم ومهلة محددة

هذه الخطوة جاءت ضمن إنذار وجهه ترامب إلى الكرملين، طالب فيه بإنهاء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال عشرة أيام، ملوحاً بفرض عقوبات شاملة في حال عدم الاستجابة. التصعيد جاء على خلفية إحباط متزايد عبّر عنه ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد فشل الأخير في تحقيق وعد قطعه ترامب خلال حملته الانتخابية، بأنه سينهي الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة من دخوله البيت الأبيض.

تصريحات نارية ورد روسي قوي

ردّ ميدفيديف لم يتأخر، واعتبر أن إنذارات ترامب تمثل تهديداً مباشراً بالحرب، ليس فقط بين موسكو وكييف، بل بين روسيا والولايات المتحدة. وذكّر بمنظومة “اليد الميتة” النووية الروسية، ما فسره مراقبون كإشارة مباشرة لإمكانية الرد النووي. وردّ ترامب سريعاً بإعلان نشر غواصتين نوويتين في “مناطق مناسبة”، في خطوة فُسرت بأنها إشارة إلى تصعيد غير مسبوق في النهج الأميركي تجاه موسكو.

من التقارب إلى التهديد

صحيفة “فرانس إنفو” الفرنسية وصفت ما يحدث بأنه “تحول جذري” في توجهات ترامب، الذي كان يُنظر إليه في بدايات حكمه على أنه مقرب من بوتين. أما الآن، فتشهد لهجته تغيراً دراماتيكياً باتجاه التهديد باستخدام أدوات الردع النووي، بما في ذلك نشر غواصات قادرة على توجيه ضربات على مدى آلاف الكيلومترات.

الأستاذ مايكل كيميج من الجامعة الكاثوليكية الأميركية علّق قائلاً إن سياسة ترامب تجاه موسكو في البداية اتسمت بالسذاجة، لكن يبدو أنه اليوم وصل إلى قناعة بعدم جدوى التهدئة، ما يدفعه إلى استخدام نهج التهديد المباشر.

انسحاب روسي وتصعيد نووي

وفي خطوة موازية للتصعيد الأميركي، أعلنت موسكو رسمياً انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الموقعة عام 1987، والتي كانت أحد الأعمدة الرئيسية للاستقرار الإستراتيجي بين القوتين النوويتين. وزارة الخارجية الروسية بررت الخطوة بـ”التهديدات الغربية المتزايدة”، فيما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخول صاروخ “أوريشنيك” القادر على حمل رؤوس نووية الخدمة، مشيراً إلى أنه سيتم نشره في بيلاروسيا، على حدود دول أعضاء في الناتو.

صحيفة نيويورك تايمز حذّرت من أن هذه الخطوة تهدد العواصم الأوروبية بصواريخ نووية يمكن أن تصل إلى أهدافها في غضون دقائق، وتفتح الباب أمام سباق تسلح نووي جديد في القارة العجوز.

هل تهديد ترامب حقيقي؟

رغم تصريحات ترامب عن نشر غواصات نووية، إلا أن صحيفة “ذا هيل” الأميركية شككت في دلالة هذه الخطوة، مشيرة إلى عدم وضوح ما إذا كانت الغواصات المقصودة مزودة بأسلحة نووية أم أنها غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية فقط.

إيرين دومباتشر، الخبيرة السابقة في قسم الأمن النووي بالبنتاغون، وصفت خطوة ترامب بأنها “تكتيك محفوف بالمخاطر”، وأشارت إلى أن مثل هذه التهديدات قد تؤدي إلى سوء تقدير يؤدي بدوره إلى مواجهة خطيرة.

أما جون تيرني، المدير التنفيذي لمركز الحد من التسلح، فانتقد التراشق اللفظي بين ترامب ومسؤولين روس، واعتبره سلوكاً غير مسؤول في ظل حساسية المرحلة الراهنة.

محاولة دبلوماسية في خضم التصعيد

رغم الأجواء المتوترة، لا تزال قنوات الاتصال مفتوحة بين الطرفين. فقد استقبل الكرملين، يوم الأربعاء، المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، في زيارة اعتبرها ديمتري بيسكوف “مهمة وذات مغزى”. إلا أن تقريراً للـ BBC أعرب عن شكوكه بشأن فاعلية هذه الزيارة، نظراً لفشل جولات الحوار السابقة في تحقيق اختراق ملموس، واستمرار موسكو في التمسك بشروطها الصارمة لإنهاء الحرب، وأبرزها حياد أوكرانيا وتخليها عن طموح الانضمام للناتو.

وفي تطور لافت، أعلن الكرملين وجود اتفاق مبدئي لعقد قمة مرتقبة بين بوتين وترامب، بناءً على اقتراح أميركي. وأوضح يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للشؤون الخارجية، أن الطرفين يعملان على الترتيبات اللوجستية لعقد الاجتماع، في خطوة قد تفتح نافذة جديدة لخفض التصعيد.

الحرب النووية… احتمال قائم؟

الخبير الروسي سيرجي رادشينكو يرى أن التلويح النووي بين موسكو وواشنطن لا يزال ضمن لعبة الضغط السياسي، لكن الحرب النووية –رغم ضآلة احتمالها– تبقى احتمالا قائما لا يمكن تجاهله.

وأشار رادشينكو إلى أن إعلان ترامب نشر غواصات لا يمثل حدثاً استثنائياً من الناحية العسكرية، لكن دلالته الرمزية تكمن في ارتباطه برد على تغريدة، وهو ما لم يحدث من قبل، ما يعكس طبيعة التهديدات النووية في عصر السوشيال ميديا.

خاتمة: دبلوماسية على حافة الهاوية

في ظل التصعيد المتبادل، يبدو أن العالم أمام لحظة دقيقة قد تعيد تشكيل ملامح النظام الدولي. فهل ينجح اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب في نزع فتيل الأزمة؟ أم أن سباق التسلح عاد ليستحوذ على الساحة الدولية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان كوابيس الحرب الباردة؟

زر الذهاب إلى الأعلى