شركة معديات موريتانيا: ركيزة تنموية وجسر إنساني بين ضفتي النهر

تأسست شركة معديات موريتانيا (Société des Bacs de Mauritanie) في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في إطار التعاون الموريتاني السنغالي لتأمين حركة عبور منتظمة وآمنة للأشخاص والبضائع بين ضفتي نهر السنغال، الذي يشكل الحدود الطبيعية بين البلدين. وقد جاء إنشاؤها استجابة لحاجة حيوية لوسيلة نقل دائمة وموثوقة في ظل محدودية الجسور البرية، واضطرار المواطنين في السابق إلى التنقل بالقوارب التقليدية، وما يرافق ذلك من مخاطر وتحديات.
الأهمية التنموية للبلدين
تشكل هذه الشركة العمومية مفصلاً استراتيجياً في سلسلة البنية التحتية العابرة للحدود بين موريتانيا والسنغال، وخصوصاً في النقاط الحساسة مثل روصو (موريتانيا) وروصو السنغالية. وتُعد المعديات الوسيلة الوحيدة لنقل آلاف الأشخاص والبضائع يومياً، بما في ذلك السلع الزراعية، والماشية، والمنتجات الصناعية، ما يجعلها محوراً اقتصادياً وتنموياً لا غنى عنه.
وتمثل المعديات وسيلة تسهيل حيوية لحركة التجارة والنقل، وتُسهم في:
خفض تكاليف النقل بين البلدين.
تمكين الأنشطة التجارية والزراعية الموسمية بين الضفتين.
تسهيل التبادل الثقافي والبشري والاجتماعي.
ربط الأسواق المحلية في الداخل بالأسواق الإقليمية، خصوصاً في ولايتي اترارزة (موريتانيا) وسانت لويس (السنغال).
الموارد المالية والإيرادات السنوية
تعتمد الشركة في تمويلها على موارد ذاتية بالدرجة الأولى، من خلال:
- الرسوم المفروضة على عبور الأفراد والسيارات والشاحنات.
- خدمات الشحن الخاصة.
- تعاقدات مع مؤسسات حكومية وخاصة للنقل الموسمي أو المستمر.
وتُقدّر الموارد السنوية للشركة في المتوسط بـ مئات الملايين من الأوقية القديمة، وهي قابلة للزيادة بتوسيع عدد الرحلات اليومية، وتحسين البنية اللوجستية والتقنية للمعديات، خاصة مع ارتفاع الطلب في المواسم الزراعية والتجارية.
البعد الاجتماعي والإنساني
لا تنحصر أهمية شركة معديات موريتانيا في بعدها الاقتصادي فقط، بل تتجاوزها إلى أبعاد اجتماعية وإنسانية، حيث تؤدي دوراً محورياً في:
- تعزيز التماسك المجتمعي بين الشعبين الموريتاني والسنغالي.
- تجسيد العلاقات الأخوية والتاريخية بين سكان الضفتين الذين يتقاسمون روابط الدم، والدين، واللغة.
- تعزيز الحوار والتعاون المحلي والإقليمي عبر تيسير الحركة وتبادل الأفكار والمصالح.
لقد أسهمت الشركة بشكل فعّال في تجاوز أزمات ظرفية سابقة بين البلدين، وأكدت عبر استمرار خدماتها أن النهر ليس فاصلاً، بل جسرٌ للوحدة والتكامل.
الإدارة الحالية: نموذج في النزاهة والتجرد
تشهد شركة معديات موريتانيا حالياً واحدة من أنجح مراحل إدارتها، بفضل القيادة المتميزة لمديرها الحالي: إبراهيم فال محمد امبارك ، الذي عمل بروح وطنية ومسؤولية كبيرة في ترسيخ قيم الشفافية والانضباط الإداري.
ويمكن إبراز عدد من سمات هذه الإدارة:
تحسين ظروف العمل للعاملين في الموانئ والمعديات.
تطوير الخدمات المقدمة للمسافرين من حيث السلامة والنظافة والاحترام.
محاربة الفساد الإداري والوساطة، واعتماد إجراءات عبور عادلة وواضحة.
تعزيز العلاقات مع الجهات الأمنية والجمركية لتسهيل العبور وتفادي الازدحام.
وقد أظهر المدير الحالي تفانياً نادراً في عمله، وتعاملاً إنسانياً راقياً مع المواطنين من كلا البلدين، مما جعل منه نموذجاً يُحتذى في الإدارة العمومية، ويستحق عن جدارة الترقية والتقدير الرسمي، عرفاناً بما قدّمه من خدمة وطنية صادقة.
انعكاسات الأداء على المستوى الوطني
إن الأداء المتميز لشركة معديات موريتانيا ساهم في:
تعزيز الثقة في المؤسسات العمومية من قبل المواطنين.
- تشجيع الاستثمار المحلي في المناطق الحدودية عبر استقرار حركة النقل.
- تعزيز صورة موريتانيا كدولة مسؤولة ومنفتحة إقليمياً.
وفي الختام :
إن شركة معديات موريتانيا ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي أداة سيادية واستراتيجية في ترسيخ الأمن الإقليمي، وتطوير الاقتصاد الحدودي، وتعزيز الأخوّة الإفريقية بين موريتانيا والسنغال. كما أن نجاح إدارتها الحالية يمثل نموذجاً عملياً لأثر القيادة الرشيدة في تحويل مؤسسات الدولة إلى أذرع فعالة للتنمية والتكامل.
ترقية المدير الحالي للشركة لا ينبغي أن تكون مجرد خيار، بل هي ضرورة مهنية ووطنية تستجيب للنجاح، وتكافئ الكفاءة، وتؤسس لثقافة إدارية جديدة قوامها العدل، والعمل، والضمير.