شركات التأمين واستنزاف جهود المواطنين

بقلم: محمد محمود ولد عبد الجبار
لم يعد خافيًا على أحد حجم الاستياء العارم الذي يسود في أوساط أصحاب السيارات في موريتانيا تجاه واقع شركات التأمين، بعدما تحوّل التعامل معها إلى عبء مرهق بدل أن يكون مظلة حماية واسترداد للحقوق. فالكثيرون يتساءلون اليوم عن الجدوى الحقيقية من التأمين الإجباري على المركبات، ما دامت الشركات المعنية تقف عاجزة ـ بل رافضة ـ لتقديم أقل مستوى من الخدمة أو التعويض عن الخسائر الناتجة عن حوادث السير.
فشركات التأمين لا تساهم في صيانة الطرق، ولا تدعم أصحاب السيارات في أي من تكاليف الإصلاح أو الأوراق الرسمية، ومع ذلك تواصل تحصيل أقساط التأمين بشكل منتظم، بينما تغيب عن أبسط واجباتها في تعويض المؤمنين لديها عند تعرض سياراتهم لحوادث اصطدام أو أضرار مختلفة. هذا التقاعس المستمر جعل الكثيرين يرون أن تلك الشركات ما هي إلا أدوات لاستنزاف جهود وطاقات المواطنين، وابتلاع أموالهم دون مردود فعلي.
وبات واضحًا أن الأمر يحتاج إلى تدخل رسمي صارم يفرض على هذه الشركات احترام القانون وتسديد ما عليها من التزامات تجاه زبنائها الذين دفعوا أموالًا طائلة أملاً في استرجاع جزء من خسائرهم. لكن ما يتم تنفيذه من تعويضات لا يزال لا يتجاوز النزر القليل جدًا مقارنة بحجم الالتزامات الواجبة.
ومن المفارقات المؤلمة أن مقرات وفروع شركات التأمين تنتشر بكثافة في الشوارع والأحياء، بينما يغيب فيها الحس المهني والمسؤولية، وتكثر فيها المماطلة والتسويف، حتى بات المواطن ينتظر التعويض وكأنه يستجدي حقًا ليس منة ولا فضلًا من أحد، بل هو التزام قانوني واضح.
إن عشرات الآلاف من السيارات تخضع للتأمين في البلاد، وأصحابها يسددون أقساطًا ثابتة بلا مقابل حقيقي، ما جعل الموضوع حديث المجالس ومصدر إحباط كبير، خصوصًا لدى الفئات ذات الدخل المحدود التي تواجه الخسائر مضاعفة دون مساندة تذكر.
وعليه، فإن واجب الجهات الرقابية اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فلابد من فرض التزام صارم على شركات التأمين بإيفاء المستحقات وتسريع إجراءات التعويض، ووضع حد لسياسة الاستخفاف بحقوق المواطنين واستنزاف قدراتهم ووقتهم دون أي نتائج عادلة.
فلا يمكن ترك الحبل على الغارب لشركات تضع أرباحها فوق القانون، وتتغافل عن مسؤولياتها، بينما يتكبد المواطنون الخسائر وحدهم. وآن الأوان لفرض نظام صارم يضمن الإنصاف، ويعيد لهذه الشركات معناها الحقيقي: حماية لا نهب، وتعويض لا استغلال.








