سد باب التداول السلمي على السلطة في موريتانيا: خطر على الأمن والاستقرار الوطني

في الوقت الذي تشهد فيه دول الجوار تحولات سياسية حاسمة، لا يزال النظام الحاكم في موريتانيا يغلق باب التداول السلمي على السلطة بإحكام. فمنذ عقود، دأبت المؤسسة العسكرية على إعادة إنتاج نفسها من خلال خلع البزة العسكرية وارتداء زي المدني، ثم الترشح للانتخابات بدعم من جهاز إداري موجه، وشبكة من الزعامات القبلية، وأحيانًا عبر دوائر انتخابية يشوبها التزوير.
هذا النمط من “المدنية الشكلية” يخفي وراءه عسكرية عميقة، ويتجاهل دروسًا قريبة في الجغرافيا والسياسة. فجارنا الجنوبي مالي، الذي تحكمه منذ فترة أنظمة عسكرية متعاقبة، أضحى يُوصم علنًا بـ”الدولة الفاشلة”، نتيجة الانقلابات، وانهيار مؤسسات الدولة، وتفشي الجماعات المسلحة. وهو المصير الذي لا يبعد كثيرًا عنا إن لم يتم استيعاب رسائله.
في المقابل، تمكّنت السنغال، رغم تشابه السياق الثقافي والجغرافي، من ترسيخ تجربة ديمقراطية حقيقية، أساسها التداول السلمي على السلطة، واحترام المسار الانتخابي. وهذا ما منحها قدرًا أكبر من الاستقرار الداخلي والمصداقية الخارجية.
الوضع في موريتانيا يتطلب وقفة تأمل جادة. فمع غياب التداول، وانغلاق الأفق السياسي، تتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فالولايات الشرقية التي كانت تعتمد جزئيًا على مالي للرعي والتموين، وجدت نفسها في مواجهة شحٍ وركود يهددان ثروتها الحيوانية، مما دفع المنمين نحو المدن، وفاقم الضغط على الخدمات وفرص العمل، وزاد من هشاشة الاستقرار الاجتماعي.
ومن جهة أخرى، تتزايد المؤشرات على تصعيد إقليمي في شمال أفريقيا، تلعب فيه إسرائيل والإمارات دور المحرّك الخفي لصراع محتمل بين الجزائر والمغرب. وموريتانيا، بحكم موقعها الجيوسياسي، لا تملك ترف البقاء بنظام مغلق، جامد، هشّ الشرعية، في منطقة تغلي على إيقاع التنافسات الدولية والمحلية.
لقد آن الأوان لأن يفهم النظام أن استقرار البلد لن يتحقق عبر تكرار الوجوه، ولا من خلال عسكرة السياسة وتسييس القبيلة، بل من خلال فتح الباب أمام ديمقراطية حقيقية، وتداول سلمي على السلطة، يحقن الدماء، ويضمن الاستمرارية.
حمادي سيداتي آباتي