زيارة نتنياهو الطارئة إلى واشنطن: مفاوضات حاسمة بين الحرب والسلام

في زيارة مفاجئة هي الثالثة خلال أقل من ستة أشهر، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأميركية واشنطن، مساء الاثنين الماضي، بعد تقديم موعد الزيارة مرتين، إذ كانت مقررة في نهاية يوليو/تموز، ثم منتصفه، قبل أن تُعجّل إلى السادس منه، في ظل زخم سياسي وإعلامي لافت وتحليلات متعددة حول دوافع هذا التسريع.
وفي غضون 24 ساعة، عقد نتنياهو -المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهم تتعلق بجرائم إبادة في قطاع غزة- لقاءه الثاني مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث استمر الاجتماع قرابة ساعة ونصف، وتركز على تطورات الحرب في غزة، وصفقة الأسرى، وإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وعقب الاجتماع، صرّح نتنياهو بأن المحادثات تمحورت حول جهود إطلاق سراح الأسرى، مؤكداً أن “الأمر لا يحتمل التهاون”، كما تحدث عن فرص جدية لتوسيع اتفاقيات أبراهام، قائلاً: “نعمل بجدية على توسيع دائرة السلام”.
تقدّم جزئي في المفاوضات
رغم التصريحات المتضاربة بشأن تعثّر المفاوضات الجارية في الدوحة، أفاد مكتب نتنياهو، في بيان رسمي، أن الاتصالات مستمرة وتشهد “تقدماً ملموساً”، مع الإشارة إلى أن “رد حركة حماس جاء أقل من التوقعات”، وأن رئيس الوزراء قرر إرسال وفد لمحاولة تذليل الخلافات، مشيراً إلى أجواء إيجابية ومحادثات جديدة مرتقبة.
وفي تطور لافت، ناقش نتنياهو مع ترامب، ولأول مرة بشكل علني، خطة تهجير سكان قطاع غزة، قائلاً: “من يرغب بالبقاء فليبقَ، ومن يريد المغادرة فليغادر، هذا قرار شخصي، وليس سجناً”، مشيراً إلى تنسيق جارٍ مع الولايات المتحدة للبحث عن دول يمكنها استقبالهم.
أما بشأن الدولة الفلسطينية، فقد أكد نتنياهو أن “الفلسطينيين يجب أن يتمكنوا من حكم أنفسهم، ولكن من دون امتلاك القدرة على تهديد إسرائيل”، مشدداً على ضرورة بقاء السيطرة الأمنية بأيدي إسرائيل.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر سياسي كبير قوله إن ثمة “تقدماً” في محادثات الدوحة، لكنها “تتطلب بضعة أيام إضافية”، فيما تسعى واشنطن لفرض اتفاق مؤقت قد يتحوّل إلى تسوية نهائية تُنهي الحرب، في حال أعلن عنه ترامب خلال هذه الزيارة.
المراوغة السياسية والرهان على الوقت
تثير خطوات نتنياهو المتقلبة تساؤلات وشكوكاً، خصوصاً بعد انسحابه المفاجئ من اتفاق سابق في يناير/كانون الثاني 2025، ما أدى إلى إفشال تسوية محتملة في مارس/آذار. ويُنظر إلى هذه المناورات على أنها جزء من تكتيك للهروب من التزامات فرضها عليه دعم ترامب له، خصوصاً في ما يتعلق بالتصعيد ضد إيران.
ويعتقد الخبير الإسرائيلي علي الأعور أن فرصة التوصل إلى اتفاق هذا المرة أكبر، نظراً إلى أن نتنياهو يرى أنه “استنفد رصيد الانتقام في غزة”، وأنه لم يعد مضطراً للرضوخ لابتزاز حلفائه من أقصى اليمين مثل بن غفير وسموتريتش، خصوصاً مع عدم وجود تهديد فوري بحل الكنيست قبل بداية دورته الشتوية في نوفمبر المقبل.
المرحلة التالية لما بعد الحرب
رغم الأجواء الإيجابية، ترى المحللة السياسية بصحيفة “معاريف” آنا براسكي أن نتنياهو لا يزال يناور، مستعداً لقبول اتفاق جزئي فقط، حفاظاً على تماسك ائتلافه الحاكم. في المقابل، يسعى ترامب لتقديم الاتفاق كإنجاز دبلوماسي كبير يُضاف إلى رصيده السياسي.
ويرى المحلل العسكري عاموس هرئيل أن الصيغة الحالية للاتفاق قد تفضي إلى نهاية الحرب وفق شروط حماس، لكن نتنياهو لا يتوانى عن “زرع الألغام” السياسية، لإبقاء الخيارات مفتوحة أمام معسكره اليميني، لا سيما فيما يتعلق بخطة تهجير سكان غزة إلى رفح، المدينة التي دُمرت بالكامل.
وفي هذا السياق، يشير المبعوث الأميركي للمنطقة ستيف ويتكوف إلى تضييق هوة الخلافات من أربع نقاط إلى نقطة واحدة تتعلق بمحور موراغ جنوبي القطاع، الذي تصر إسرائيل على التمسك به حتى بعد وقف إطلاق النار، ما يعكس نيتها الحفاظ على حرية الحركة العسكرية في غزة.
ويعتبر الخبير مهند مصطفى أن المحور الحقيقي للزيارة لا يقتصر على صفقة جزئية تمتد لـ60 يوماً، بل يتعداها إلى رسم ملامح “اليوم التالي” في غزة بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب.
ملف إيران والمواجهة الإقليمية
ورغم الأجندة العلنية التي تشمل ملفات تجارية واقتصادية، فإن المحور الإيراني يُعد العنوان الأبرز للزيارة. فالحرب الأخيرة أظهرت ضعف قدرات إسرائيل التسليحية في مواجهة إيران، خاصة في الدفاع الجوي والذخائر بعيدة المدى.
وفي المؤتمر الصحفي المشترك، شدد ترامب على التزام واشنطن بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مشيراً إلى انطلاق مفاوضات غير مباشرة، واصفاً الإيرانيين بـ”المهتمين بالحوار”، ومعرباً عن أمله في التوصل إلى حل ينهي التوتر.
ويرى عصمت منصور أن نتنياهو سيحاول استثمار الضربة التي شاركت فيها واشنطن ضد إيران، لدفع الملف النووي نحو اتفاق يضمن مصالح إسرائيل بالكامل، أو لحشد دعم لهجوم عسكري محتمل.
أما مصطفى، فيرى أن هدف نتنياهو الرئيسي هو تثبيت الشروط الإسرائيلية في أي اتفاق أميركي-إيراني مقبل، خاصة فيما يتعلق بملف التسليح والمنشآت النووية.
السعي للحصول على أسلحة إستراتيجية
في إطار تعزيز القوة العسكرية، يلتقي نتنياهو بمشرّعين أميركيين من كلا الحزبين، في محاولة لحشد الدعم لتزويد إسرائيل بأسلحة متقدمة. ويجري حالياً مناقشة مشروع قانون يسمح لترامب بتزويد إسرائيل بقاذفات شبح “بي-2” وقنابل خارقة للتحصينات في حال تصاعد التهديد النووي الإيراني.
لكن المحلل علي الأعور يستبعد موافقة واشنطن على منح إسرائيل هذا النوع من الأسلحة الإستراتيجية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تسعى دائماً للحفاظ على تفوقها العسكري في الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط الجديد: تطبيع إقليمي وإعادة ترتيب النفوذ
تحت شعار “السلام عبر القوة”، يسعى نتنياهو -بتنسيق مع ترامب- إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ضمن رؤية تستند إلى التطبيع والتفوق الإسرائيلي.
وقبيل مغادرته إلى واشنطن، تحدث نتنياهو عن “فرصة تاريخية لتوسيع دائرة السلام وتغيير وجه المنطقة”، معتبراً أن “الإنجازات العسكرية تفتح الباب أمام مستقبل مختلف لشعب إسرائيل وللمنطقة برمتها”.
وتناغماً مع خطاب ترامب في الرياض في مايو/أيار 2025، والذي دعا فيه إلى شرق أوسط يقوم على “التجارة والتكنولوجيا بدلاً من الفوضى والإرهاب”، يعمل الطرفان على إدماج دول عربية إضافية ضمن اتفاقيات أبراهام، مع التركيز على السعودية وسوريا ولبنان.
ويرى عصمت منصور أن نتنياهو يحاول استثمار التغيرات الجيوسياسية بعد 7 أكتوبر لتعزيز مكانة إسرائيل، لكنه بحاجة إلى تسويات سياسية حقيقية، وهو ما يتطلب توافقاً داخلياً وخارجياً، لا يبدو أن ائتلافه اليميني المتشدد قادر على دعمه.
في المحصلة، يسعى نتنياهو إلى إنهاء الحرب في غزة وفق شروطه، بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب، لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية تمتد من قطاع غزة إلى طهران، في ظل تطلعات لإعادة تشكيل خارطة النفوذ الإقليمي، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام تسويات قد تغير مستقبل الشرق الأوسط برمته.