زرع إسرائيل في فلسطين: من وعد بلفور إلى تجسس القصور الرئاسية.. خيوط المؤامرة على المشرق والمغرب العربي

من الحقائق الثابتة في التاريخ الإسلامي أن الإسلام احترم أتباع الديانات السماوية الأخرى، خاصة اليهود والمسيحيين، وضمن لهم حق العيش الكريم تحت ظل دولته عبر العصور: من عهد الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين، ثم بني أمية والعباسيين، وصولاً إلى الدولة العثمانية التي احتضنت اليهود المطرودين من أوروبا.
لكن المفارقة أن المأساة التي لحقت بيهود أوروبا — المعروفة بالمحرقة — جرى توظيفها خارج سياقها الأصلي لتكون مبرراً لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وزرع كيان غريب في قلب العالم العربي. لقد احتضنت بريطانيا وفرنسا المشروع الصهيوني، ليس حلاً إنسانياً بل بوصفه أداة لتقسيم المنطقة والسيطرة عليها عبر تفجير تناقضاتها.
من وعود بلفور إلى الحروب الحديثة
بدأت القصة بوعد بلفور (1917) الذي منح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، ثم كرست اتفاقية سايكس ـ بيكو تقسيم المشرق العربي وتفتيته، ليظل خاضعاً لهيمنة خارجية. ولم تكتف القوى الاستعمارية بالحروب التقليدية، بل طورت أساليبها: من تمويل الحركات الانفصالية إلى إثارة النزاعات الطائفية والمذهبية، وصولاً إلى حروب المخابرات والهجمات السيبرانية التي باتت جزءاً من اللعبة الدولية اليوم.
لقد شهدنا في العقدين الماضيين تحولات هائلة في أدوات الحروب: لم تعد المعارك تُخاض بجيوش جرارة فقط، بل صارت المخابرات تزرع العملاء والبرمجيات الخبيثة، وتوظف وسائل الإعلام والإشاعات وحروب الاغتيالات والضربات الدقيقة بالطائرات المسيرة. وما الاعتداءات المتكررة على إيران — من اغتيال علمائها النوويين إلى الهجمات الإلكترونية على منشآتها الحساسة — إلا نموذج صارخ لهذا التحول الخطير في أساليب النزاع.
مخطط غربي ـ صهيوني عابر للقارات
في هذا السياق، يرى مراقبون أن زرع الكيان الصهيوني لم يكن إلا خطوة ضمن استراتيجية طويلة الأمد للهيمنة على المنطقة برمتها، من المشرق إلى الجزيرة العربية والخليج، وصولاً إلى مغرب الوطن العربي.
اليوم، تلعب بعض الدول الخليجية أدواراً خطيرة لصالح المخطط الغربي ـ الصهيوني. وتبرز الإمارات كأداة نشطة لهذا المشروع: تمد نفوذها المالي والإعلامي وتدير شبكات ضغط في موريتانيا والمغرب، وهو ما بات يهدد وحدة واستقرار دول مثل الجزائر وتونس أيضاً.
وفي هذا الإطار، أثار تسريب إعلامي مغربي أخيراً زوبعة حين زعم أن المخابرات المغربية، وبدعم إماراتي، زرعت أجهزة تجسس داخل القصر الرئاسي في نواكشوط. ورغم غموض التفاصيل وعدم تأكيدها رسمياً حتى الآن، فإن الحادثة كشفت حجم اختراق شبكات التجسس الحديثة ونفوذ الحلف الإماراتي ـ الصهيوني حتى في الدول التي كانت تعتبر بعيدة عن هذا التوتر.
انعكاسات محتملة وخيارات الشعوب
إن الاعتداءات على إيران والضربات المخابراتية في دول المشرق والمغرب تكشف أن الحروب لم تعد جبهات عسكرية فحسب، بل أصبحت اختراقاً ناعماً وخشناً في آن واحد. وإذا لم تتنبه شعوب المنطقة وحكوماتها لبناء جبهة صمود مشترك وتعزيز الأمن السيبراني والاستخباراتي، فقد تتساقط العواصم واحدة تلو الأخرى أمام أدوات الجيل الجديد من الحروب.
يبقى السؤال الأهم: هل نستطيع كسر هذه الحلقة المفرغة من التآمر والانقسام؟ الجواب بيد الشعوب وقواها الحية، وبيد نخبها إن هي أدركت أن التبعية للقوى الخارجية لا تجلب سوى الخراب، وأن إعادة بناء مشروع نهضوي مستقل هي وحدها الكفيلة بتأمين كرامة الأرض والإنسان.
حمادي سيدي محمد آباتي