رافينيا.. من شوارع رستينغا إلى مجد برشلونة: رحلة كفاح لا تعرف الاستسلام

يبدو أن برشلونة يحتاج رافينيا كما يحتاج الإنسان إلى الطعام، بهذه العبارة لخّص الصحفي الإسباني ألبرت ماسنو أهمية النجم البرازيلي الذي غاب عن صفوف الفريق أكثر من 40 يوماً بسبب الإصابة. فالنجم الذي قد لا يُعدّ الأكثر مهارة في المراوغة أو الأخطر على الأجنحة، يملك ما هو أثمن من ذلك: ذكاء تكتيكي نادر، وقدرة عالية على استغلال المساحات وإنهاء الهجمات بسرعة وفعالية.
رافينيا ليس مجرد جناح في منظومة هجومية، بل روح مقاتلة لا تهدأ. يضغط على المنافسين، ويحوّل هجمات الخصم إلى فرص لبرشلونة. وربما لا يبدو في المظهر أخطر مهاجم في العالم، لكن أرقامه تؤكد أنه من بين الأكثر تأثيراً وفعالية، بعد أن ساهم الموسم الماضي في تتويج برشلونة بثلاثية محلية: الدوري والكأس والسوبر الإسباني، ودخوله قائمة المرشحين للكرة الذهبية التي حلّ فيها خامساً.
خيبة أمل مشروعة ودروس في التواضع
في حديثه لمجلة GQ Hype، لم يُخفِ رافينيا خيبة أمله من عدم فوزه بالكرة الذهبية لعام 2025، قائلاً:
“كانت خيبة أمل شخصية، بذلت كل جهدي، وتوقعت أن أكون من بين الأفضل. المركز الخامس كان شرفاً، لكنه أقل من طموحاتي”.
لكنه أضاف بتوازن نادر بين الطموح والواقعية:
“تعلمت أن التواضع مهم. الجائزة فردية، لكن كرة القدم لعبة جماعية. ما أنجزناه مع برشلونة والبرازيل يمنحني أسباباً كثيرة للشكر. ما زلت أؤمن أن الأفضل لم يأت بعد”.
الثقة بالمستقبل ورفض الاستسلام
حين سُئل عما إذا كان يعتقد أنه سيحظى بفرصة جديدة للفوز بالكرة الذهبية، أجاب بثقة:
“نعم بالتأكيد. أمامي سنوات كثيرة لتحقيق أهداف جديدة، كل موسم فرصة للنمو والمنافسة. أرى ذلك دافعاً لا ضغطاً”.
واستعاد رافينيا ذكريات البدايات القاسية قائلاً:
“فكرت بالاستسلام أكثر من مرة، حين كانت الأبواب تُغلق والاختبارات تفشل، لكن تذكّرت عائلتي وأطفال الحي الذين حلمت أن أكون مثلهم قدوة. هذا ما منحني القوة للاستمرار”.
من رستينغا إلى كامب نو
تحدث رافينيا عن جذوره في حي رستينغا بالبرازيل، حيث لعب حافياً على أرض ترابية، مستخدماً القوارير والأحذية كمرمى.
“الناس ترى اليوم الألقاب والملاعب، لكنها لا ترى الدموع والتضحيات. تلك الأيام الصعبة صنعتني”.
ويضيف:
“كانت الكرة أكثر من مجرد لعبة، كانت طريقتي للحلم، وأول وسيلة آمنت بها لتغيير الواقع لي ولمن حولي”.
الأحلام تتحقق بالعزيمة
يلخص رافينيا رحلته بثلاث حقائق أساسية:
- ما أنجزته ليس نجاحي وحدي، بل انتصار عائلتي وكل من ساندني.
- أفتخر بأصولي لأنها تذكرني دوماً بمن أكون ولماذا أقاتل.
- النجاح الحقيقي هو إلهام الآخرين ليؤمنوا بقدرتهم على النجاح.
الوفاء للأسرة قبل كل شيء
وعندما سُئل عن أكثر ما يعتز به، أجاب بأنه اشترى منزلين لعائلته، أحدهما في البرازيل والآخر في إسبانيا.
“الفخامة الحقيقية هي راحة من أحب. السيارات والساعات جميلة، لكن لا شيء يعادل سعادة عائلتي”.
وأضاف أن عائلته غيّرت نظرته للحياة:
“كنت أعيش كل شيء لكرة القدم فقط، الفوز والخسارة كانا يحددان مزاجي. اليوم ابني يعانقني بعد كل مباراة، فأدرك أن الحياة أكبر من النتيجة”.
الأب والقدوة
يتحدث رافينيا عن ابنه قائلاً:
“لن يعيش الصعوبات التي عشتها، لكني أريده أن يعرف قيمة العمل الجاد، والاحترام، والتواضع. أريده أن يتذكر أن العائلة فوق كل شيء”.
ويضيف بابتسامة أبوية:
“أستمتع باللحظات البسيطة معه، اللعب في الحديقة، الذهاب إلى المدرسة، الإفطار سوياً… هذه اللحظات لا تُقدّر بثمن”.
بين الذهنية والإصابة
يرى رافينيا أن العلاقة بين العقل والجسد وثيقة جداً:
“إذا كنت منهكاً ذهنياً، سيتأثر جسدك. التعافي يحتاج ذهن هادئ مثلما يحتاج عضلات قوية. لذا أعتني بعقلي كما أعتني بجسدي”.
التعامل مع الانتقادات
حول الانتقادات، قال النجم البرازيلي:
“في البداية كانت تؤلمني كثيراً، أما الآن فقد تعلمت أن أستمع لما يفيدني وأتجاهل السلبية. لا يمكن إرضاء الجميع، المهم أن أكون صادقاً مع نفسي وأمنح كل ما لديّ للفريق”.
دروس من كرة القدم
يقول رافينيا إن اللعبة علمته الصبر، والعمل الجماعي، والانضباط، والتواضع.
“الموهبة وحدها لا تكفي. الانتصار الحقيقي هو الصمود رغم كل الظروف، وأن تبقى ممتناً لمنحك الله فرصة لتعيش حلمك”.
عن المنافسة مع لامين يامال
أوضح رافينيا أن العلاقة مع زميله الشاب لامين يامال قائمة على التعاون لا الصراع:
“نحن نتحدى بعضنا على أرض الملعب بشكل إيجابي، لكن خارجها نحن أصدقاء. هدفنا مشترك: نجاح الفريق”.
رسالة إلى الجيل الجديد
قال رافينيا إن من واجبه توجيه اللاعبين الصغار:
“الموهبة هدية، لكنها لا تكفي دون تركيز وانضباط. أحاول أن أكون قدوة وأشاركهم أخطائي ودروسي. القيادة ليست أوامر، بل دعم وإلهام”.
مفهوم النجاح والإرث
يختصر رافينيا رؤيته للنجاح قائلاً:
“النجاح هو راحة البال، أن تعرف أنك قدّمت أفضل ما لديك وألهمت الآخرين. إذا استطعت أن أترك إرثاً إيجابياً داخل وخارج الملعب، فذاك هو المجد الحقيقي”.
ويضيف:
“أريد أن يُذكر اسمي ليس فقط بالألقاب، بل بالإنسان الذي كنتُه، وبالأمل الذي زرعته في قلوب أطفال الأحياء الفقيرة”.
الحاضر والمستقبل
في ختام حديثه، أكد رافينيا أنه يتمنى إنهاء مسيرته في برشلونة:
“برشلونة منحني الكثير، وأشعر أنني في بيتي هنا. أود البقاء ما دامت الظروف تسمح، لأساهم في الألقاب وأساعد الجيل القادم”.
وختم قائلاً:
“لكنني أعيش الحاضر، أركز على كل يوم وكل مباراة. المستقبل بيد الله، والمهم أن أظل أقدم أفضل ما عندي لهذا القميص”.









