صحة

دراسة حديثة تدحض مزاعم ترامب بشأن ارتباط الباراسيتامول بالتوحد أثناء الحمل

رغم التحذيرات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مخاطر تناول الباراسيتامول خلال فترة الحمل، أكدت دراسات علمية حديثة أن استخدام هذا المسكن الشائع بجرعات معتدلة لا يشكل خطراً على الجنين، وأن التوصيات الطبية العالمية بشأنه لا تزال من دون أي تغيير.

وخلال مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين، زعم ترامب أن تناول الباراسيتامول أثناء الحمل “يزيد بشكل كبير من خطر إصابة الأطفال بالتوحد”، فيما أعلن وزير الصحة الأميركي روبرت كينيدي جونيور عزمه الكشف قريباً عن ما وصفه بـ”أسباب وباء التوحد” في الولايات المتحدة، ما أثار قلق الخبراء بسبب حساسية الموضوع وموقف كينيدي المثير للجدل من اللقاحات.

الباراسيتامول لا يشكل خطراً مثبتاً علمياً

تعد مادة الباراسيتامول، المعروفة أيضاً باسم الأسيتامينوفين، من أكثر الأدوية استخداماً حول العالم لتخفيف الألم وخفض الحرارة. وأكدت دراسة سويدية نُشرت عام 2024 في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أن تناول النساء الحوامل لهذا الدواء “لا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالتوحد، أو اضطراب نقص الانتباه، أو التخلف العقلي لدى الأطفال”.

هذه النتائج جاءت لتؤكد سلامة الدواء عند الالتزام بالجرعات الموصى بها، ولتضع حداً لمخاوف أثيرت في السنوات الماضية حول تأثيراته المحتملة على نمو الجنين.

خلفية الجدل الطبي

تعود جذور الجدل إلى نقاشات بدأت في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، عندما نشر نحو مئة باحث وطبيب مقالاً في مجلة نيتشر ريفيوز إندوكرينولوجي يدعون فيه إلى الحذر من استخدام الباراسيتامول أثناء الحمل إلا عند الضرورة الطبية. وقد قوبلت هذه الدعوة بانتقادات واسعة، واعتبرها كثير من العلماء مبالغاً فيها ومثيرة للقلق دون أساس علمي قوي.

واستندت بعض المخاوف إلى دراسات سابقة، منها بحث دنماركي عام 2015 أشار إلى ارتفاع محتمل في خطر التوحد بنسبة 50% لدى الأطفال الذين تناولت أمهاتهم الباراسيتامول أثناء الحمل. إلا أن هذه النتائج وُصفت لاحقاً بأنها غير حاسمة بسبب قصور منهجي، إذ لم توضّح ما إذا كان سبب التوحد هو الدواء نفسه أم الأمراض التي دعت لاستخدامه.

وفي عام 2025، نشر بحث في مجلة إنفايرونمنتال هيلث جمع نتائج 40 دراسة، واقترح احتمال وجود ارتباط بين الدواء والاضطراب، وهو ما استند إليه بعض مسؤولي إدارة ترامب. غير أن غالبية الخبراء يرون أن تلك الأبحاث لا تثبت علاقة سببية، بل تفتح الباب لمزيد من الدراسات الدقيقة مستقبلاً.

الموقف العلمي والمنظمات الطبية

أكدت الدراسة السويدية الأحدث أن العوامل الوراثية تلعب الدور الأكبر في تطور التوحد، وأن المقارنات بين أطفال من نفس الأسرة لم تُظهر أي زيادة في احتمالية الإصابة عند استخدام الباراسيتامول.

وفي السياق ذاته، قالت منظمة الصحة العالمية إن بعض الدراسات القائمة على الملاحظة أظهرت ارتباطاً محتملاً بين التعرض للباراسيتامول قبل الولادة والتوحد، لكنها شددت على أن “الأدلة لا تزال غير متسقة وغير كافية لتغيير التوصيات الحالية”.

من جانبها، أوضحت وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) أن الباراسيتامول لا يزال يُعتبر آمناً أثناء الحمل إذا استُخدم بأقل جرعة فعالة ولأقصر مدة ممكنة، مؤكدة أن إرشاداتها لم تتغير.

الخيار الأكثر أماناً للحوامل

ورغم كل الجدل، يبقى الباراسيتامول الخيار الأكثر أماناً من بين مسكنات الألم المتاحة للحوامل، مقارنةً بأدوية مثل الأسبرين والإيبوبروفين، اللذين يُحظر استخدامهما في المراحل المتقدمة من الحمل لما قد يسببانه من مضاعفات خطيرة تشمل وفاة الجنين أو تشوهات خلقية.

وهكذا، تظل الهيئات الطبية العالمية على موقفها الثابت بأن الباراسيتامول، عند استخدامه بطريقة مسؤولة، آمن وفعال، بينما تبقى تصريحات ترامب مجرد جدل سياسي وإعلامي لا يستند إلى إجماع علمي أو أدلة موثوقة.

زر الذهاب إلى الأعلى