دراسة جينومية رائدة تكشف الأسباب الوراثية للأمراض النادرة في الشرق الأوسط

كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون في مؤسسة “سدرة للطب” عن الأسباب الجينية الكامنة وراء العديد من الأمراض النادرة التي استعصت على التشخيص والعلاج بين سكان منطقة الشرق الأوسط، وذلك باستخدام تقنيات متقدمة في علم الجينوم.
ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Genetics المرموقة تحت عنوان: “جينومات شبه مكتملة من الشرق الأوسط تعزز من تحليل التماثل الذاتي واكتشاف المتغيرات المسببة للأمراض والمتعلقة بالسكان المحليين”. وتمثل هذه الدراسة مرجعًا بالغ الأهمية في مجال الطب الدقيق ووراثة السكان، إذ تسد فجوة جوهرية في الأبحاث الجينومية العالمية، مستندة إلى أحدث تقنيات بناء الجينوم الأولي (De Novo) والتسلسل طويل القراءة.
وتعتمد تقنية De Novo على تركيب متكامل لخريطة الجينوم من البداية، دون الرجوع إلى مراجع جينومية سابقة قد تحتوي على ثغرات أو أخطاء، ما يتيح قراءة دقيقة وغير متحيزة للتسلسل الجيني. كما أن استخدام تقنية التسلسل طويل القراءة، التي تقرأ شرائح كبيرة من الحمض النووي دون تجزئتها، أسهم في إنتاج أولى الخرائط الجينومية الكاملة والدقيقة لسكان الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أوضح البروفيسور يونس مكراب، رئيس مختبر الجينوم الطبي والسكاني ومدير برنامج أبحاث علوم الأعصاب في سدرة للطب وقائد الدراسة، أن الفريق استخدم التسلسل طويل القراءة لتحليل جينومات لعائلات من الشرق الأوسط تعاني من أمراض وراثية نادرة. وقد تمكن الباحثون من تحديد متغيرات جينية مَرَضية لم تكن مكتشفة سابقًا، ما يشير إلى فاعلية تقنية التركيب الأولي De Novo في كشف الطفرات المستترة.
وأكد مكراب أن هذه النتائج تمثل تحولًا نوعيًا في أبحاث الطب الدقيق، وتفتح المجال أمام دمج سكان الشرق الأوسط في الأبحاث الجينومية العالمية التي طالما افتقرت إلى تمثيل كافٍ لهذه الشريحة.
وقد شملت الدراسة تحليلاً لجينومات أفراد من ست عائلات تنتمي إلى كل من قطر، السودان، الأردن، سوريا وأفغانستان، كانوا يعانون من اضطرابات عصبية تطورية غير مشخصة من قبل. وأسفرت النتائج عن بناء واحدة من أدق مجموعات البيانات الجينومية في المنطقة حتى الآن، تتسم بقدرتها على التفريق الكامل بين المادة الوراثية للأم والأب، وهو ما يُعد أساسيًا لتحسين التشخيصات السريرية وتطوير علاجات فعّالة للأمراض النادرة.
وأشار البروفيسور إيفان آيكلر، أستاذ علوم الجينوم في جامعة واشنطن والمؤلف المشارك في الدراسة، إلى أهمية هذا العمل في تمكين العلماء من اكتشاف الطيف الكامل للمتغيرات الجينية المسببة للمرض، ما يعزز فهم التنوع الظاهري للحالات المرضية.
من جهته، قال البروفيسور خالد فخرو، رئيس قسم الأبحاث في سدرة للطب وأحد المشاركين في الدراسة، إن المؤسسة تواصل منذ أكثر من عقد قيادة الأبحاث الجينومية في المنطقة. وأوضح أن استخدام التسلسل طويل القراءة أصبح الآن أداة محورية في الطب الجينومي الدقيق، وأن القدرة على اكتشاف متغيرات مرضية لم تكن مرئية في المراجع الجينومية العالمية يشكّل إنجازًا علميًا بارزًا.
كما تساهم هذه التسلسلات الجينية المتطورة في تعميق الفهم حول الهجرات البشرية القديمة والتركيبة السكانية لمنطقة الشرق الأوسط، ما يعزز البحوث التطورية والأنثروبولوجية.
وفي هذا الإطار، صرّح الدكتور حمدي مبارك، مدير الأبحاث والشراكات في معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، بأن إطلاق مجموعة جديدة من جينوم قطر شملت بيانات لأكثر من 25 ألف شخص، بالتزامن مع توفر مراجع جينومية عالية الجودة مخصصة لسكان الشرق الأوسط، يمثل تطورًا بالغ الأهمية في تحديد التباين الجيني وتأثيراته المحتملة على الصحة العامة.