دراسة جديدة تكشف عن آليات تنكس المخيخ في التصلب المتعدد ودور الميتوكوندريا في فقدان الخلايا العصبية

سلّطت دراسة حديثة الضوء على الآليات البيولوجية الكامنة وراء تنكس المخيخ في مرض التصلب المتعدد، موضحةً أن الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا – المصدر الرئيسي للطاقة في الخلية – قد يلعب دورًا محورياً في تلف خلايا بوركنجي، وهي خلايا عصبية رئيسية في المخيخ مسؤولة عن تنسيق الحركة والتوازن.
وبحسب الدراسة، فإن تدهور خلايا بوركنجي يُعد عاملاً أساسياً في ظهور أعراض مثل الارتعاش، وضعف التنسيق الحركي، وصعوبة التحكم في الحركة، مما ينعكس سلباً على جودة الحياة لدى المصابين. وقد نُشرت نتائج البحث في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في 16 يونيو/حزيران، ونقلها موقع EurekAlert، فيما قاد فريق الدراسة باحثون من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد في الولايات المتحدة.
اضطرابات مبكرة في الميتوكوندريا والميالين
تتميز الإصابة بالتصلب المتعدد بحدوث التهاب مزمن وفقدان لغلاف الميالين الذي يغلف الألياف العصبية في الجهاز العصبي المركزي، مما يُعيق النقل الطبيعي للإشارات الكهربائية ويؤدي إلى اضطرابات عصبية متنوعة.
ووفقًا للدكتورة سيما تيواري-وودروف، أستاذة العلوم الطبية الحيوية وقائدة الفريق البحثي، فإن النتائج أظهرت أن “الالتهاب وإزالة الميالين في المخيخ يؤثران بشكل مباشر على وظيفة الميتوكوندريا، مما يؤدي إلى تلف الأعصاب وموت خلايا بوركنجي“.
وأضافت أن الفريق لاحظ فقدانًا ملحوظًا لبروتين COXIV المرتبط بالميتوكوندريا في خلايا بوركنجي منزوعة الميالين، ما يُشير إلى دور رئيسي لضعف إنتاج الطاقة في تدهور هذه الخلايا الحيوية.
أهمية خلايا بوركنجي في الحركة والتوازن
تُعد خلايا بوركنجي من أبرز مكونات القشرة المخيخية، وتتميّز بتشعّباتها المعقدة التي تتيح لها معالجة كمّ هائل من المعلومات الحسية والحركية. وتلعب هذه الخلايا دورًا أساسيًا في تنسيق الحركات الدقيقة والسلسة مثل المشي، والكتابة، ورمي الكرة.
وأوضحت الدكتورة سيما أن تضرر هذه الخلايا في مرض التصلب المتعدد قد يؤدي إلى الترنّح الحركي (Ataxia)، وهو أحد أبرز الأعراض المرتبطة بالمخيخ. وأضافت:
“عند فحص أنسجة دماغية لمصابين بالتصلب المتعدد، لاحظنا أن خلايا بوركنجي تُعاني من نقص في التفرعات، وتفقد غلاف الميالين، وتعجز عن إنتاج الطاقة بشكل كافٍ نتيجة خلل الميتوكوندريا”.
نتائج مدعومة بنموذج حيواني
ولتأكيد نتائجهم، استخدم الباحثون نموذجًا تجريبيًا لفئران مخبرية تظهر عليها أعراض مماثلة للتصلب المتعدد، ولاحظوا أن هذه الفئران فقدت خلايا بوركنجي تدريجياً مع تقدم المرض. كما تبيّن أن الخلايا العصبية المتبقية كانت تُظهر علامات قصور وظيفي بسبب تلف الميتوكوندريا، إلى جانب انهيار مبكر لغلاف الميالين.
وترى الدراسة أن فقدان الطاقة داخل خلايا الدماغ هو عامل أساسي يسبق موتها، ما يُبرز أهمية التركيز على تحسين أداء الميتوكوندريا في أي استراتيجية علاجية مستقبلية.
آفاق علاجية واعدة
يمهّد هذا البحث الطريق لفهم أدق لمسار المرض، وقد يفتح المجال لتطوير علاجات تستهدف حماية خلايا بوركنجي عبر دعم الميتوكوندريا وتقليل الالتهاب، مما يُسهم في الحفاظ على الوظائف الحركية والتقليل من الإعاقات المرتبطة بالتصلب المتعدد.
واختتمت الدكتورة سيما بالقول:
“الفهم العميق للآليات الخلوية والبيوكيميائية التي تقود إلى فقدان الخلايا العصبية يقرّبنا خطوة من تطوير تدخلات علاجية فعالة تُحسّن نوعية الحياة لدى المصابين”.
هذه الدراسة تمثل إضافة مهمة في مجال أبحاث التصلب المتعدد، وتعكس تزايد التركيز على الوقاية العصبية كوسيلة للحد من آثار المرض طويلة الأمد.