صحة

دراسة تكشف “خدعة جزيئية” تساعد فيروس نقص المناعة على البقاء والتهرب من الجهاز المناعي

كشفت دراسة حديثة عن آلية خفية وغير مسبوقة يعتمد عليها فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول (HIV-1) لضمان بقائه وتكاثره داخل الجسم، إضافة إلى قدرته العالية على التهرب من الجهاز المناعي.

ويُعد HIV-1 أحد نوعي فيروس نقص المناعة البشرية، إلى جانب النوع الثاني (HIV-2)، وكلاهما يؤدي إلى الإصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). وعلى الرغم من التشابه الكبير بين النوعين من حيث البنية الجينية وطرق الانتقال، فإن النوع الثاني يتميز بانخفاض معدل انتقاله وإبطاء تطور المرض مقارنة بالأول.

آلية مبتكرة: جزيئات دائرية تُربك الخلية

وأجريت الدراسة من قبل باحثين في كلية الطب “تشارلز إي. شميدت” التابعة لجامعة فلوريدا أتلانتيك الأميركية، ونشرت نتائجها في مجلة npj Viruses العلمية. وسلطت الدراسة الضوء على “فخ جزيئي” ينصبه الفيروس داخل الخلية، إذ ينتج جزيئات دائرية من الحمض النووي الريبي (circular RNA) تعمل كـ”إسفنجة”، تمتص جزيئات الحمض النووي الريبي الصغيرة (miRNAs) التي تستخدمها الخلية عادة لمحاربة الفيروس.

وصرّح الدكتور ماسيمو كابوتي، الأستاذ في قسم العلوم الطبية الحيوية والمشارك في الدراسة، أن هذه الظاهرة غير مألوفة في فيروسات الحمض النووي الريبي، حيث يُعرف هذا النوع من الجزيئات أكثر في فيروسات “DNA” مثل فيروس إبشتاين-بار وفيروس الورم الحليمي البشري.

سلاح مضاد للمناعة

وأوضح الباحثون أن جزيئات الحمض النووي الريبي الدائرية التي ينتجها HIV-1 تُعطل الجزيئات المناعية الصغيرة التي تنتجها الخلية، والتي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم عمل الجينات وتعزيز الاستجابة المناعية. وبهذا الأسلوب، يُضعف الفيروس قدرة الجسم على مكافحته، ويُمهّد الطريق لتكاثره واحتفاظه بوجوده داخل الجسم لفترات طويلة دون أن يُكتشف أو يُزال تمامًا.

وتمكن الفريق من تحديد 15 نوعًا مختلفًا من جزيئات الحمض النووي الريبي الدائري الخاصة بالفيروس، وتم التحقق من وجودها باستخدام تقنيات متقدمة في تحليل الجزيئات والتسلسل الجيني.

السر في مقاومة العلاج

وأضاف الدكتور كابوتي أن هذه الآلية تُفسر جزئيًا السبب في صعوبة القضاء التام على فيروس نقص المناعة البشرية، إذ إن قدرة الفيروس على إنتاج جزيئات تمنع الخلايا من تفعيل دفاعاتها الطبيعية تساعده في البقاء داخل الجسم في حالة “كمون” لفترات طويلة، مما يُعيق العلاجات التقليدية التي تستهدف الفيروسات النشطة فقط.

وتأتي أهمية هذه النتائج في كونها تفتح آفاقًا جديدة لتطوير علاجات تركز على استهداف هذه الجزيئات الدائرية، وبالتالي تحسين قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الفيروس والتخلص منه.

خلفية علمية: فيروس قهقري متطور

ينتمي فيروس HIV إلى عائلة الفيروسات القهقرية (Retroviruses)، والتي تعتمد على تحويل مادتها الوراثية من الحمض النووي الريبي (RNA) إلى الحمض النووي (DNA) بعد دخولها الخلية، لتندمج لاحقًا في جينوم الخلية المضيفة وتُعيد برمجتها لصالح الفيروس.

وبينما أظهرت الدراسات السابقة أن بعض فيروسات الحمض النووي الكبيرة مثل الهربس تنتج جزيئات RNA دائرية، فإن اكتشاف هذا السلوك في فيروس RNA صغير مثل HIV-1 يعدّ اكتشافًا فريدًا قد يُغيّر فهم العلماء لاستراتيجيات التهرب الفيروسي.

زر الذهاب إلى الأعلى