خطة السلام الأميركية بين واشنطن وكييف وموسكو: ملامح مقترح مثير للجدل وردود فعل متباينة

كشفت تقارير أميركية ودولية، من بينها موقع أكسيوس ووكالة الصحافة الفرنسية، عن أبرز بنود خطة السلام التي صاغتها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي أثارت نقاشاً واسعاً نظراً لتضمّنها تنازلات إقليمية كبيرة من الجانب الأوكراني، وتحديداً التخلي عن نحو 20% من أراضي الشرق الأوكراني، إضافة إلى قيود عسكرية وسياسية طويلة المدى.
وفي الوقت ذاته، أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موقفاً منفتحاً تجاه المبادرة الأميركية، مؤكداً أن بلاده ستعمل من أجل إنجاح أي جهد دبلوماسي يهدف إلى إنهاء الحرب، دون إصدار “تعليقات طائشة” كما قال، ومشدداً على ضرورة الحفاظ على دعم مستمرّ للجيش وعملياته الدفاعية.
تفاصيل المشاورات الأميركية – الأوكرانية
أعلن البيت الأبيض أن مسؤولين بارزين في إدارة ترامب عقدوا اجتماعاً مهماً مع وفد أوكراني الأسبوع الماضي لبحث ملامح خطة سلام “قابلة للقبول من الطرفين”. وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف قادا المشاورات، مشيرةً إلى وجود “محادثات بناءة” مع كييف وموسكو حول سبل وقف الحرب.
وأضافت ليفيت أن روبيو وويتكوف عملا “بشكل سري لمدة شهر” لوضع تصور تفصيلي للخطة، في محاولة لفهم ما يمكن لكل من أوكرانيا وروسيا تقديمه لتحقيق سلام طويل الأمد.
أبرز بنود الخطة بحسب وكالة الصحافة الفرنسية
تقول الوكالة إن الخطة تتألف من 28 بنداً، وهي مدعومة بالكامل من الرئيس ترامب، وتشمل:
- تنازل أوكرانيا عن منطقة دونباس الشرقية لصالح روسيا، بما يشمل لوغانسك ودونيتسك.
- تقليص حجم الجيش الأوكراني ليقتصر على 600 ألف جندي.
- التزام كييف بعدم الانضمام مطلقاً لحلف الناتو.
- تمركز طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا لحماية أوكرانيا، من دون أي قوات للناتو داخل الأراضي الأوكرانية.
أبرز البنود وفق موقع أكسيوس
يركز أكسيوس على نقاط اعتبرها جوهرية في مسودة الخطة، ومنها:
- إجبار كييف على التخلي عن أراضٍ إضافية شرق البلاد، وتحديد حجم قواتها المسلحة.
- التزام نهائي بعدم الانضمام للناتو.
- رد عسكري غربي منسق في حال أي توغل روسي جديد.
- تخصيص جزء من الأصول الروسية المجمّدة لإعادة إعمار أوكرانيا.
- رفع العقوبات عن موسكو وعودتها إلى مجموعة الثمانية.
- إجراء انتخابات أوكرانية خلال 100 يوم من توقيع الاتفاق.
الموقف الأوكراني: انفتاح مشروط
الرئاسة الأوكرانية أكدت أنها تلقت بالفعل مشروع الخطة من الجانب الأميركي، وأن كييف مستعدة للعمل البناء على البنود التي تضمن “نهاية عادلة للحرب”.
كما شددت على دعم مقترحات ترامب التي تهدف إلى وقف إراقة الدماء، مع توقع زيلينسكي مناقشة التفاصيل مباشرة مع الرئيس الأميركي خلال الأيام المقبلة.
وفي مداخلة أمام مجلس الأمن، أكدت الدبلوماسية الأوكرانية أن وقف إطلاق النار شرط أساسي لأي مفاوضات، لكنها جددت التأكيد على “الخطوط الحمراء” لكييف، والتي تشمل:
- عدم الاعتراف بأي شكل بالسيادة الروسية على الأراضي المحتلة.
- عدم القبول بأي قيود على حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها أو تطوير قدراتها العسكرية.
- عدم التخلي عن حقها في تحديد تحالفاتها الدولية.
الموقف الأوروبي: ضرورة التشاور ورفض الاستسلام
أثارت الأنباء حول الخطة الأميركية دهشة الدبلوماسيين الأوروبيين، الذين أكدوا أن أي خطة سلام يجب أن تتم بالتعاون مع أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
وشددت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس على أن أوروبا تدعم “سلاماً عادلاً ودائماً”، وأن موسكو لم تُظهر التزاماً جدياً خلال محادثات السلام السابقة.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو فقال بوضوح إن “السلام لا يعني الاستسلام”، مؤكداً أن الأوكرانيين سيقاومون أي خطة تفرض عليهم تنازلات قسرية.
الموقف الروسي: التركيز على جذور الأزمة
في المقابل، قال الكرملين إن أي خطة للسلام يجب أن تعالج “الأسباب الجذرية للصراع”. ورغم وجود اتصالات مع واشنطن، أكد المتحدث ديمتري بيسكوف أنه لا توجد مفاوضات رسمية بشأن هذه الخطة حتى الآن.
تطورات ميدانية تزيد الوضع تعقيداً
تأتي هذه الجهود الدبلوماسية بينما تمر كييف بمرحلة حساسة على الجبهة العسكرية، حيث تواجه قواتها ضغوطاً متزايدة وسط فضيحة فساد أطاحت بوزيرين في الحكومة.
ونقلت وسائل إعلام روسية عن قادة عسكريين إعلان السيطرة على مدينة كوبيانسك الاستراتيجية في شمال شرق أوكرانيا، لكن الجيش الأوكراني نفى ذلك وأكد أن المدينة لا تزال تحت سيطرته.
وفي زاباروجيا، أعلن الحاكم الإقليمي مقتل خمسة أشخاص وإصابة ثلاثة في هجوم روسي، مع انتشار صور لدمار كبير في المباني والشوارع.
خلاصة المشهد
بين مبادرة أميركية مثيرة للجدل، وردود فعل أوكرانية حذرة، ومواقف أوروبية رافضة لأي “سلام مفروض”، تظل الحرب الأوكرانية أمام منعطف حرج. فبين مسار دبلوماسي لم تتضح مآلاته بعد، وتصعيد ميداني يشتد مع اقتراب الشتاء، يبقى الوصول إلى تسوية نهائية رهناً بتوازنات سياسية معقدة وتنازلات لا يبدو أن الأطراف كافة مستعدة لتقديمها في الوقت الراهن.









