خبر تسديد الديون يثير الجدل في تونس: خبراء يشككون في مصداقية الأرقام الرسمية

أثار إعلان إحدى وسائل الإعلام الرسمية في تونس عن نجاح البلاد في تسديد 125% من ديونها الخارجية لعام 2025 قبل ثلاثة أشهر من نهاية العام الجاري موجة من الجدل بين الخبراء والمراقبين الاقتصاديين، الذين اعتبروا الخبر مضللًا ويفتقر إلى الدقة والمصداقية.
ويرى عدد من الخبراء أن الدولة التونسية ما تزال مرتبطة بالتزامات مالية قائمة حتى نهاية العام، وأن عمليات السداد تمت أساسًا عبر مزيد من الاقتراض واتباع سياسات تقشفية قاسية.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية قد نقلت أن تونس تمكنت من تسديد كامل ديونها الخارجية بنسبة تجاوزت 125% بفضل ما وصفتها بـ”سياسة التعويل على الذات”، وهو ما فُسّر من قبل بعض المراقبين بأنه محاولة لتسويق نجاح سياسي أكثر منه إنجاز اقتصادي فعلي.
تشكيك في صحة الأرقام
الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أكد أن ما تم تداوله “بعيد عن الحقيقة”، موضحًا أن تونس ما زالت مطالبة بتسديد قرضين هامين خلال الأشهر المقبلة، أحدهما لصندوق النقد الدولي بقيمة 256 مليون دينار، وآخر للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بقيمة 258 مليون دينار.
وبيّن الشكندالي أن الخلط الحاصل بين الديون العمومية للدولة وبين ديون القطاعين العام والخاص أدى إلى تضخيم الأرقام المعلنة، مؤكدًا أن الحديث عن تسديد 125% من الديون الخارجية “خطأ فادح”.
كما أشار إلى أن الحكومة لا تعتمد فقط على مواردها الذاتية كما يروج، بل تلجأ إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتوفير العملة الصعبة وسداد التزاماتها المالية، وهو ما يؤدي إلى ضغط إضافي على البنوك المحلية وارتفاع معدلات التضخم نتيجة ضخ السيولة دون مقابل إنتاجي.
الاقتراض المتزايد والتقشف الحاد
وفق بيانات اطلعت عليها الجزيرة نت، تعتزم تونس خلال العام المقبل الاقتراض بنحو 4 مليارات دولار من البنك المركزي لتغطية احتياجاتها التمويلية، بعد أن اقترضت العام الماضي 7 مليارات دينار.
كما أظهرت مشروع ميزانية 2026 ارتفاع العجز المالي إلى 11 مليار دينار (3.8 مليارات دولار) مقارنة بـ 9.8 مليارات دينار في 2025، مع خطط لجمع 6.8 مليارات دينار من القروض الخارجية و19.1 مليار دينار من السوق المحلية.
ويحذر الخبراء من أن هذا التوجه نحو الاقتراض المكثف يخلق حلقة مفرغة، حيث يُعاد اقتراض ما تم تسديده كل عام تقريبًا، مما يضاعف العبء على المالية العمومية ويحد من قدرة الدولة على الاستثمار والتنمية.
رؤية مختلفة: إنجاز أم تسويق سياسي؟
من جانبه، يرى الخبير المحاسب حاتم فتح الله أن إعلان الحكومة عن تسديد كامل الديون الخارجية “ليس إنجازًا استثنائيًا”، لأن تونس لم تتخلف منذ الاستقلال سنة 1956 عن سداد التزاماتها الخارجية في مواعيدها المحددة.
وأشار إلى أن الجدل الدائر حول الخبر يجد جذوره في الخطاب السياسي والاقتصادي السابق لعام 2021، حين حذّر الخبراء من احتمال الإفلاس وانهيار المالية العامة، قبل أن تتبنى الحكومة سياسة تقشف صارمة شملت تقليص الواردات وتجميد النفقات العامة.
وأضاف فتح الله أن تونس ربما عجلت بتسديد بعض القروض قبل آجالها للاستفادة من انخفاض قيمة الدولار أمام الدينار، لكنه شكك في صحة الأرقام المعلنة، خاصة أن الدين العمومي تجاوز 131 مليار دينار (40 مليار دولار) أي ما يعادل 80% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية عام 2024.
مصادر مؤقتة للدعم الاقتصادي
ويرى مراقبون أن قدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها المالية ما تزال ممكنة بفضل عدة عوامل، أبرزها:
- تحويلات المغتربين التي تمثل أحد أهم روافد العملة الصعبة.
- عوائد السياحة التي شهدت انتعاشًا ملحوظًا.
- تحسن مردودية القطاع الزراعي خلال الموسم الأخير.
- انخفاض أسعار الطاقة عالميًا مما خفف الضغط على الميزانية.
لكن في المقابل، تبقى هذه العوامل هشة ومؤقتة، إذ قد تتأثر بأي صدمات اقتصادية أو جيوسياسية مفاجئة، مثل ارتفاع أسعار النفط أو تراجع السياحة.
خلاصة
بينما تواصل السلطات التونسية الترويج لنجاحها في إدارة الدين العام عبر ما تسميه “سياسة التعويل على الذات”، يرى الخبراء أن الواقع المالي أكثر تعقيدًا، وأن الاقتراض المستمر والتقشف القاسي لا يمكن اعتباره مؤشرا على التعافي بقدر ما هو محاولة لتأجيل الأزمة.
ويبقى التحدي الحقيقي أمام تونس هو تحقيق توازن بين الحفاظ على التزاماتها الخارجية وبين تحريك عجلة الاقتصاد الوطني عبر إصلاحات هيكلية عميقة تضمن نمواً حقيقياً ومستداماً.









