حين يُدرك الفقراء أنهم في زورق واحد… تسقط شرعية الظلم

الوحدة بين أبناء البظان — سمرًا وبيضًا — ليست حلمًا عاطفيًا، بل خطوة تهزّ أركان منظومةٍ بُنيت على الكراهية والتفاوت. فحين يتحد المظلومون، تفقد السلطة آخر أوراقها.
“حين يكتشف المقهورون أن اختلاف ألوانهم لا يغيّر لون الجوع ولا طعم الظلم، تبدأ الشرعية الحقيقية في الانتقال من القصر إلى الشارع، ومن يد الحاكم إلى ضمير الشعب.”
جدار الخداع يتصدع
ما من نظامٍ ينهار إلا حين يعجز عن الكذب على وعي الناس.
واليوم، في موريتانيا، تتشكل لحظة وعيٍ جماعي جديدة، بدأ فيها جدار الخداع يتشقق: حين يدرك البظان، سمرًا وبيضًا، أنهم في زورقٍ واحدٍ يغرق فوق بحرٍ من الفقر والغبن، وحين يفهمون أن ما فَرَّقهم لم يكن سوى لعبةً مدروسة من لوبيٍّ فرانكفونيٍّ يتقن الإيهام ويعيش على صناعة الانقسام، تبدأ شرعية النظام في التآكل لا في النصوص، بل في القلوب.
اللوبي الفرانكفوني… هندسة الانقسام ووراثة المستعمر
منذ عقودٍ طويلة، أعاد اللوبي الفرانكفوني تشكيل نفسه داخل جسد الدولة، متقمصًا ثوب الحداثة والإدارة.
أمسك بمفاصل القرار والاقتصاد والإعلام، وصنع من الانتماء اللغوي أو اللوني ذريعة لاحتكار النفوذ.
لكن هذا اللوبي لم يكن يومًا إلا استمراريةً للاستعمار، بوجهٍ أنيقٍ وشعاراتٍ مخملية.
فهو لا يعيش إلا إذا اقتتل الفقراء فيما بينهم، ولا يقوى إلا حين ينشغل المظلومون بلعن بعضهم بدلًا من مساءلة من نهبهم.
المظلوم واحد… والظلم متعدد الوجوه
إن الخط الفاصل اليوم ليس بين الأبيض والأسمر، بل بين من يملك ومن يُستغل، بين من يحتكر القرار ومن يُستبعد منه.
فالفقر لا يميّز لونًا، والجوع لا يسأل عن الأصل، والجهل لا يعترف بالطبقات.
الذين لا ينتمون إلى الدولة العميقة، مهما كانت خلفياتهم، يشتركون في المعاناة ذاتها: البطالة، التهميش، انعدام الخدمات، وسقوط العدالة.
لقد تساوى الجميع في القهر، وبات “الامتياز” مجرّد غطاءٍ يبرر سلطة القلة ويخدع بها الأغلبية.
الوحدة الشعبية… ساعة الحقيقة
حين تلتقي المظالم في ساحة واحدة، يصبح الصمت خيانة.
فالوحدة بين المكونات الشعبية ليست ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة سياسية وجودية.
وحين يخرج الناس جميعًا — من كل لونٍ ولهجةٍ وأصلٍ اجتماعي — مطالبين بالإنصاف، فإنهم يعلنون عمليًا نزع الشرعية عن النظام.
فالدولة التي تبني شرعيتها على القهر لا تصمد أمام شعبٍ موحدٍ يطالب بالعدالة.
وإذا لجأ النظام إلى القمع، فلن يجد في مؤسساته من يطيعه؛ فالجيش نفسه يعكس التناقض: الضباط أبناء النافذين، أما الجنود فهم أبناء الفقراء، ولن يرفعوا سلاحهم في وجه آبائهم وإخوتهم دفاعًا عن سلطةٍ لا تراهم إلا أدوات.
القطيعة مع المنظومة… نحو تأسيس جديد
إن القطيعة مع هذا النظام لم تعد خيارًا بل شرطًا للبقاء.
قطيعةٌ لا تعني الفوضى، بل التأسيس: انتخابات نزيهة لا يشارك فيها أحد من رموز الألف أسرة التي تداولت الثروة والسلطة منذ الاستقلال.
ثم إعادة بناء الدستور على قاعدة العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطى باعتبارها الضامن الوحيد للتوازن بين السلطة والشعب.
الوعي هو الثورة
الثورات لا تولد من البنادق، بل من الوعي.
وحين يدرك الفقراء أن خلاصهم في اتحادهم لا في خصومتهم، وحين يفهمون أن مصيرهم واحد وأن العدالة لا تتحقق إلا بهم، سيسقط كل خطابٍ للكراهية وكل نظامٍ بلا شرعية.
فالشعوب حين تصحو لا تُقهر، والوعي حين ينفجر لا يُطفأ.
نداء وطني
يا أبناء هذا الوطن،
يا من سمرَتكم الشمس وبيّضتكم المعاناة،
يا من تتقاسمون الخبز والخذلان والحلم ذاته،
آن لكم أن تتحدوا لا ضدّ لونٍ أو جهة، بل ضدّ الظلم ذاته.
اتحدوا لتستعيدوا دولتكم المختطفة، وتؤسسوا جمهورية العدل والمساواة.
فالوطن لا يُبنى بالحقد، بل بالإدراك أن الغرق سيبتلعنا جميعًا إن لم نمسك بالمجداف الواحد.
حمادي سيدي محمد آباتي






