حصار غزة والمجاعة: مأساة إنسانية وصراع من أجل البقاء في ظل انهيار القطاع الصحي

في ظل حصار خانق ومجاعة تضرب كل بيت في غزة، تتحول رحلة البحث عن لقمة العيش إلى مغامرة قاتلة. يخرج المدنيون في ساعات الفجر الأولى على أمل العودة بحقيبة من الطحين أو بعض المؤن، غير أن كثيرين منهم لا يعودون إلا جثثًا أو جرحى.
وفي تقرير يعكس حجم المعاناة الإنسانية ويوثق أبعادها، نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية شهادات أطباء ومتطوعين أجانب بشأن الواقع الصحي المنهك في قطاع غزة، حيث تتكدس الإصابات بما يفوق قدرة المستشفيات، وأصبح إطلاق النار على الحشود الجائعة مشهداً يومياً مأساوياً.
أفاد الأطباء والمتطوعون الأجانب بأن نقص أسطوانات الأكسجين أجبرهم على اتخاذ قرارات صعبة في تحديد من يستحق الإنقاذ، كما أدى شح الكراسي المتحركة والعكازات إلى اضطرار بعض العائلات لحمل أقاربهم المعاقين بأذرعهم.
ويكشف التقرير، استنادًا إلى شهادات هؤلاء الأطباء والمتطوعين الذين عملوا في القطاع، عن مأساة تتكرر منذ أواخر مايو 2025، حيث يتعرض مئات الفلسطينيين لإطلاق نار أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء في ظل حصار خانق ومجاعة متفاقمة.
ويشير التقرير إلى أن القصف الإسرائيلي المتواصل للمرافق الطبية خلال الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى جانب الحصار شبه الكامل المفروض على القطاع منذ الشتاء، جعل تقديم العلاج المناسب أمراً شبه مستحيل.
وأكد العاملون في المجال الطبي أن نقص أسطوانات الأكسجين اضطرهم لاختيار من يتم إنقاذه، وأن نقص الكراسي المتحركة والعكازات أجبر عائلات على حمل المعاقين بطرق بدائية.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فقد قُتل أكثر من 1778 فلسطينيًا وأُصيب أكثر من 12,894 آخرين منذ أواخر مايو، دون تمييز بين مدنيين ومقاتلين.
تشير وكالات الإغاثة الدولية إلى أن حجم إراقة الدماء هذا دفع النظام الصحي المتداعي إلى حافة الانهيار، فيما يسابق الطاقم الطبي الزمن لمعالجة موجات متلاحقة من الإصابات، أحياناً على أرضيات المستشفيات، بينما يستغل العاملون أوقات فراغهم القليلة لتجهيز أسرّة إضافية وتشكيل فرق جراحية تحسباً لتدفق المزيد من الجرحى.
وأكد شهود وأطباء أن القوات الإسرائيلية تطلق النار بشكل متكرر على الأشخاص قرب مواقعها العسكرية، فيما تقول إسرائيل إنها تطلق “طلقات تحذيرية” ضد “مشتبه بهم”، وقد أصدرت تعليمات جديدة بعد تقارير عن إصابات مدنية.
داخل المستشفيات، يرصد الأطباء مشاهد مؤلمة لضحايا أصيبوا برصاص في الرأس أو الصدر أو العمود الفقري، بينهم أطفال ونساء، ويتجاوز عدد الإصابات أحياناً 100 حالة في المستشفى الواحد، مما يدفع الطواقم الطبية إلى علاج الجرحى على الأرض وسط برك الدماء، وسط نقص حاد في الأكسجين والأدوات الطبية وحتى الكراسي المتحركة.
في مستشفى ناصر، أكبر مركز طبي لا يزال يعمل في جنوب غزة، يصف الأطباء والممرضون لحظات الاستيقاظ على صافرات الإنذار التي تنذر بوصول موجة كبيرة من الجرحى.
أخصائي العناية المركزة، عزيز الرحمن، أميركي من ولاية ويسكونسن، زار غزة مع منظمة “رحمة حول العالم”، قال: “كل يوم تقريباً تُفتح فيه مراكز توزيع المساعدات، نشهد إطلاق نار”.
وفي عيادة الهلال الأحمر في جنوب غزة، تحدثت المتطوعة الإيرلندية ريكه هايز عن إصابات مرضاها التي شملت الأطراف وأحياناً الظهر، مشيرة إلى أن بعض الضحايا كانوا مراهقين تعرضوا لإطلاق نار أثناء مغادرتهم مراكز المساعدات بعد نفاد الغذاء.
وأوضحت هايز أن الإصابات تبدأ قبل موعد فتح مراكز التوزيع بساعات، مشيرة إلى قصة شاب يُدعى أحمد (18 عاماً) أصيب إصابة بالغة في انفجار أفقدته استخدام معظم أطرافه، وكان شقيقه محمد (20 عاماً) يرافقه ويعتني به.
من جانبها، طبيبة الطوارئ نور شرف من دالاس الأميركية وصفت 20 يوليو/تموز بأنه أسوأ أيام عملها، إذ استقبل مستشفى الشفاء أكثر من 1024 مريضاً، كثير منهم يعانون من سوء التغذية بشكل واضح.
وأفادت الصحيفة بأن نظام “تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل” أظهر أن الوضع الغذائي في غزة وصل إلى مرحلة المجاعة الكاملة، مع وفاة ما لا يقل عن 217 شخصًا بسبب الجوع أو سوء التغذية.