الأخبار العالمية

حسن بايكر.. صوت اليسار الأميركي الذي كسر قواعد المحتوى الرقمي

رغم الزخم الهائل لصناع المحتوى في الولايات المتحدة وتنوع خلفياتهم وتوجهاتهم، تمكن المؤثر ذو الأصول التركية حسن بايكر من فرض اسمه بسرعة لافتة كنجمٍ يمثل صوت اليسار الأميركي ويعبّر عن شريحة واسعة من الشباب الباحثين عن رؤية تقدمية مغايرة للسائد.

يبلغ بايكر من العمر 34 عامًا، ويقضي ساعات طويلة يوميًا في بث مباشر عبر منصّتي تويتش ويوتيوب، يناقش فيها موضوعات تمتد من الألعاب الإلكترونية والرياضة إلى السياسة الخارجية الأميركية والحرب الإسرائيلية على غزة، محافظًا على أسلوب بسيط وعفوي يجذب الملايين من المتابعين.

من أستوديو متواضع في لوس أنجلوس، يظهر بايكر ببساطة مظهره وصدق لغته، ليبث ما يزيد على سبع ساعات يوميًا دون انقطاع تقريبًا، في تفاعل مباشر مع جمهوره من جيل الألفية وجيل “زد”، حيث يمتزج النقاش السياسي بالحديث عن اللياقة البدنية والرياضة والمكملات الغذائية وحتى تفاصيل الحياة اليومية.

ورغم ميوله اليسارية، فإن بايكر لا يتردد في انتقاد الحزب الديمقراطي، ويرى أن الدفاع عن العدالة الاجتماعية يقتضي نقد جميع الأطراف دون استثناء، مما أكسبه سمعة “الناقد الجريء” في الوسط السياسي الأميركي.

جو روغان اليساري

شهرته الواسعة دفعت كثيرين إلى مقارنته بالكوميدي ومقدم البودكاست الشهير جو روغان، حتى وُصف بأنه “جو روغان اليساري”، غير أن بايكر يرفض هذه المقارنة، مؤكدًا أن ما يقدمه مختلف جذريًا، إذ يقوم على التحليل الفوري للأحداث والتفاعل المباشر مع الجمهور، لا على المقابلات المسجلة مع الضيوف.

نشأ بايكر في تركيا قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة لإتمام دراسته في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي، حيث حصل عام 2013 على شهادة مزدوجة في التواصل والعلوم السياسية. وبعد تخرجه، عمل في قسم مبيعات الإعلانات بشبكة “ذا يونغ توركس” التقدمية التي أسسها عمه سينك أويغور، قبل أن يؤسس مشروعه المستقل عام 2016 عبر سلسلة فيديوهات على “فيسبوك” استهدفت الجمهور اليساري.

انطلاق نحو النجومية الرقمية

بدأ بايكر بثه على “تويتش” بشكل متقطع، ولم يتجاوز عدد مشاهدي أول بث له 35 شخصًا، لكنه واصل بثّه لساعات طويلة يوميًا حتى صار من أبرز وجوه المنصّة. وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حطم الأرقام القياسية ببث مباشر استمر 16 ساعة متواصلة، تجاوزت مشاهداته 4.5 ملايين مشاهدة في ليلة واحدة.

اليوم، يتابع بايكر أكثر من 6 ملايين شخص عبر مختلف المنصات: ثلاثة ملايين على “تويتش”، و1.7 مليون على “يوتيوب”، و1.6 مليون على “إنستغرام”. وتصفه إدارة “تويتش” بأنه نموذج مثالي لتوسيع نطاق المحتوى ليتجاوز الألعاب الإلكترونية نحو السياسة والثقافة والمجتمع.

رؤية فكرية ونقد للواقع

يقول بايكر إن جمهوره يتفاعل معه لأنه يقدم وجهة نظر صادقة وغير مصفاة حول الأحداث، موضحًا أن هدفه هو إعادة بناء صورة اليسار الأميركي التي شوهتها بعض وسائل الإعلام.
وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، أشار إلى أن برنامجه يتميز بتغطية متنوعة تشمل السياسة والثقافة الشعبية وألعاب الفيديو، مع التزامه بالتدقيق في المعلومات ومحاربة التضليل الرقمي.

يضيف: “جزء كبير من عملي هو غربلة الأخبار الزائفة وتثقيف الجمهور حول كيفية التمييز بين المصادر الموثوقة والمضللة، وأنا أرافق المشاهدين في رحلة تحليل الأخبار خطوة بخطوة”.

فكر تقدمي وموقف من الإمبريالية

سياسيًا، يدعو بايكر إلى نظام أكثر عدالة وديمقراطية يمنح المواطنين استقلالية أكبر في مواقع العمل والحياة السياسية. وعلى المستوى الدولي، يعارض بشدة الإمبريالية الأميركية ويدعو إلى تقليص التدخلات العسكرية في الخارج، معتبرًا أن على الولايات المتحدة أن تساعد الشعوب بطرق بنّاءة لا عبر فرض التغيير بالقوة.

ويصف بايكر الرأسمالية بأنها نظام استنفد دوره التاريخي، ويرى أن الاشتراكية قد تشكل البديل القادر على تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة. وتصفه صحيفة نيويورك تايمز بأنه “ماركسي ومعادٍ للإمبريالية”، لكنه في المقابل يؤمن بما يسميه التفاؤل الثوري، أي الإيمان بقدرة الناس على التغيير رغم طول الطريق.

مواقف مثيرة للجدل

لا يخلو مسار بايكر من الجدل، خاصة بسبب مواقفه الصريحة تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، إذ يصف ما يجري في غزة بأنه إبادة جماعية وينتقد بشدة الحركة الصهيونية، ما جعله عرضة لاتهامات بمعاداة السامية، وهو ما نفاه قائلاً: “أنا معادٍ للصهيونية، لا للسامية، وقد أمضيت مسيرتي في محاربة التمييز بكل أشكاله”.

اغتيال كيرك وحرية التعبير

في الآونة الأخيرة، أعرب بايكر عن قلقه من تأثير اغتيال تشارلي كيرك، المؤثر اليميني المقرب من الرئيس السابق دونالد ترامب، على حرية التعبير والصحافة في الولايات المتحدة.
وأوضح أن تفشي ثقافة العنف وتغوّل مصالح لوبي السلاح أسهما في خلق مناخ خطير يهدد الحوار العام، محذرًا من أن البلاد قد تتجه نحو تقييد حرية الإعلام تحت ذريعة مكافحة التطرف.

كان من المقرر أن يلتقي بايكر وكيرك في مناظرة مفتوحة نهاية سبتمبر/أيلول، لكن الاغتيال المفاجئ ألغى الحدث وأثار موجة من التساؤلات حول مستقبل النقاش السياسي في البلاد.

ورغم الجدل المثار حوله، يبقى حسن بايكر صوتًا مميزًا في الفضاء الرقمي الأميركي، يجمع بين العفوية والعمق السياسي، ويمثل نموذجًا جديدًا للمؤثرين الذين يربطون الترفيه بالنقاش الجاد في زمن أصبحت فيه الحدود بين الإعلام والسياسة أكثر ضبابية من أي وقت مضى.

زر الذهاب إلى الأعلى