الأخبار العالمية

حرب السرديات بين الهند وباكستان: انتصارات زائفة في عصر المعلومات المضلّلة

في مساء الثامن من مايو/أيار الجاري، وبينما كانت الأزمة بين الهند وباكستان على أشدّها، تناقلت قنوات هندية تقارير مثيرة للجدل، زعمت فيها سقوط العاصمة الباكستانية إسلام آباد. بعض المذيعين تحدثوا عن انقلاب عسكري أطاح بقائد الجيش الباكستاني، فيما أعلن آخرون عن هجوم ساحق للبحرية الهندية دمّر ميناء كراتشي بالكامل. هذه المزاعم المفاجئة ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تصدر وسم “#استسلام_باكستان” قائمة الترند في منصات هندية عدة.

لبضع ساعات، بدا وكأن الهند حققت نصرا كبيرا، لكن الواقع كان بعيدا كل البعد عن هذه الروايات، التي لم تكن سوى جزء من مشهد أوسع لحرب من نوع مختلف: حرب المعلومات.

الحرب الحديثة.. المعركة على الوعي

الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان سلط الضوء على تحول النزاعات إلى ساحة رقمية متطورة، تقودها أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق. تلك الأدوات لم تكتف بنشر الشائعات عبر وسائل التواصل، بل امتدت إلى تنفيذ هجمات إلكترونية منظمة على المنصات الرسمية.

هذا الواقع الجديد أظهر مدى هشاشة الجمهور أمام التضليل، إذ يصعب على الأفراد وحتى المؤسسات التمييز بين الحقيقة والزيف في ظل الطوفان المعلوماتي. إذ باتت مقاطع الفيديو المفبركة، والصور المزيفة، والتغريدات الملفقة قادرة على توجيه الرأي العام والتأثير في صناع القرار.

شرارة التضليل: مقاطع مزيفة وتحريف متقن

في الثالث من مايو، انتشر مقطع فيديو للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يزعم فيه دعمه للهند وتهديده بتدمير باكستان. لكن بالتحقق تبين أن الفيديو مفبرك، استُخدم فيه مقطع قديم من خطاب لترامب عام 2016، بينما أُضيف إليه صوت مركّب أنتجته تقنيات الذكاء الاصطناعي. ورغم الكشف عن التزييف لاحقاً، كان الفيديو قد حقق انتشارا واسعا، محدثاً أثرا فورياً في الرأي العام.

بعد أيام، ظهر مقطع آخر يُظهر المتحدث باسم الجيش الباكستاني الفريق أحمد شريف شودري، وكأنه يعترف بإسقاط الهند لمقاتلتين باكستانيتين من طراز JF-17. المقطع نال أكثر من 760 ألف مشاهدة على منصة “إكس”، قبل أن تضاف إليه إشارة تفنيد تكشف التلاعب، بعد أن بثّته بعض القنوات الهندية باعتباره خبرا عاجلا.

تجلت الحرفية في التزييف من خلال دمج لقطات أصلية من مؤتمر صحفي حقيقي مع مشاهد مركبة، وغطّى التلاعب الصوتي بتقنيات دقيقة استخدمت انتقالات بصرية مخادعة.

صور الحرب من ألعاب الفيديو

لم تتوقف المعلومات المضلّلة عند حدود الفيديوهات، بل اجتاحت الصور المفبركة منصات التواصل، بما في ذلك صور مزعومة لتفجيرات ومعارك، وبعضها كان في الحقيقة مشاهد مقتبسة من ألعاب فيديو عسكرية، بلغ عدد مشاهداتها ملايين. صحيفة واشنطن بوست علقت على ذلك بقولها إن الجمهور بات يستهلك المحتوى الزائف بشغف، خاصة في أوقات التوترات الإقليمية.

الإعلام ينزلق إلى فخ الرواية الزائفة

اللافت أن بعض القنوات الهندية المعروفة مثل “زي نيوز” و”إيه بي بي” انزلقت إلى نشر شائعات غير موثقة، من بينها مزاعم عن انقلاب عسكري في باكستان، واعتقال قائد الجيش عاصم منير، بل وذهبت إلى حد تحديد اسم القائد الجديد المفترض.

وفي ذروة هذه الحملة، أعلنت “زي نيوز” استسلام الجيش الباكستاني، وادعت “تايمز ناو” أن البحرية الهندية دمّرت ميناء كراتشي، مستندة إلى مشاهد مزيفة، من بينها مقطع لتحطم طائرة في فيلادلفيا عام 2022 قُدم باعتباره “توثيقا” لدمار كراتشي.

هذه القنوات لم تقدم أي دلائل أو تأكيدات ميدانية، واكتفت بنقل ما يُتداول على منصات التواصل من مصادر غير معروفة، مما ساهم في تكريس سردية النصر المزيّف لدى شرائح واسعة من الجمهور الهندي.

الهجمات السيبرانية.. الذراع الخفية

بالتزامن مع الأخبار المفبركة، تعرّضت عدة حسابات رسمية باكستانية للاختراق. ففي التاسع من مايو، اخترق قراصنة حساب هيئة ميناء كراتشي على منصة “إكس”، ونشروا تغريدة تزعم دمار الميناء بسبب ضربة صاروخية هندية. لكن الهيئة استعادت السيطرة خلال نصف ساعة، وأصدرت بيانا أكدت فيه سلامة الميناء، ودعت الصحفيين لزيارته ميدانيا.

ليلة ذلك اليوم، طال الاختراق أيضا حساب وزارة الشؤون الاقتصادية الباكستانية، حيث نُشرت تغريدة زائفة تتحدث عن طلب قروض طارئة بسبب خسائر الحرب. ورغم حذفها لاحقا، إلا أنها حققت ملايين المشاهدات، في مؤشر على قدرة الهجمات الإلكترونية على نشر الذعر وتضليل الرأي العام عبر قنوات تبدو رسمية.

مواجهة السرديات بالمراقبة الرقمية

في خضم هذا التصعيد الرقمي، لجأت حكومتا الهند وباكستان إلى إجراءات رقمية مشددة لاحتواء سيل المعلومات المزيفة. استعانت كل منهما بتقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة لرصد المحتوى المخالف، وضغطت السلطات الهندية على شركات التواصل الاجتماعي لحذف آلاف المنشورات وتعليق الحسابات التي وصفت بأنها تنشر “روايات مؤذية”.

زر الذهاب إلى الأعلى