ثورة المواهب في سان جيرمان: كيف قاد التحول الجريء النادي إلى المجد الأوروبي

خطف باريس سان جيرمان الأضواء الموسم الماضي أوروبيًا وعالميًا، ليس فقط بتتويجه التاريخي الأول بلقب دوري أبطال أوروبا، وبلوغه نهائي كأس العالم للأندية، بل باستراتيجيته الجديدة القائمة على الاعتماد المكثّف على المواهب الشابة. هذه المقاربة المثالية أثبتت نجاحها، ورسّخت التحول العميق في فلسفة إدارة النادي الباريسي.
فبعد أكثر من عقد كامل من التعاقدات الضخمة التي صنعت العناوين ولفتت الأنظار، انتقل سان جيرمان إلى نموذج جديد يستند إلى مجمعه التدريبي الحديث، الذي بلغت كلفته 350 مليون يورو، والذي صُمّم ليكون مصنعًا لأجيال المستقبل من اللاعبين القادرين على حمل قميص النادي.
ويقع هذا المجمّع الضخم على مشارف باريس، ويجمع تحت سقف واحد فرق الرجال والسيدات والفئات السنية، في خطوة تعكس توجّه النادي نحو بناء هوية تعتمد على تشكيل لاعبين من داخل المنظومة نفسها.
هوية جديدة تتشكل
هذا الموسم، نجح خمسة لاعبين من الأكاديمية—وارن زاير إيمري، سيني مايولو، نواه كامارا، إبراهيم مباي، وكونتان إنجانتو—في الالتحاق بالفريق الأول.
كما أشرك سان جيرمان أصغر تشكيلة في تاريخه خلال لقاء مونبلييه في مايو/أيار الماضي، بمتوسط أعمار بلغ 21 عامًا و251 يومًا. كما كان الفريق الذي رفع كأس دوري أبطال أوروبا ثاني أصغر فريق يتوج باللقب عبر تاريخ البطولة، بمتوسط أعمار 24 عامًا و110 أيام.
وحطم أبرز نجوم الأكاديمية أرقامًا قياسية ملفتة:
- بدأ زاير إيمري مباراة وهو بعمر 16 عامًا و4 أشهر و29 يومًا.
- بينما شارك مباي وهو أكبر منه بشهرين فقط.
ويمثل هذا التوجّه انعطافة مهمة مقارنة بمرحلة ما بعد استحواذ قطر للاستثمارات الرياضية على النادي في 2011، عندما أصبح سان جيرمان من أكثر أندية أوروبا إنفاقًا على النجوم العالميين مثل زلاتان إبراهيموفيتش، نيمار، مبابي، وليونيل ميسي—من دون أن يظفر بالكأس الأوروبية الكبرى.
ثلاثة أعمدة لمشروع سان جيرمان الجديد
قال يوهان كاباي، مدير الأكاديمية، إن مشروع المجمع التدريبي الذي اكتمل في يناير 2024 يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
- التطوير الرياضي
- التعليم
- النمو الشخصي
وجاء هذا التأكيد بعد زيارة من هيئة تفتيش العمل الفرنسية للتحقق من امتثال الأكاديمية للمعايير القانونية، على خلفية تقارير عن مزاعم سوء إدارة. وقال كاباي بثقة:
“ليس لدينا ما نخفيه. الطموح يتطلّب مستوى عاليا من الالتزام. وما يهمّنا هو التركيز على مهمتنا الأساسية.”
وترمي إدارة النادي إلى تقليل الفجوة بين لاعبي الأكاديمية والفريق الأول، وتسهيل عملية انتقال المواهب الشابة عبر منهج تدريبي موحّد. وقال لويس كامبوس، المدير الرياضي:
“نريد للاعبي الأكاديمية أن يفهموا أسلوب اللعب الذي يعتمده المدرب. عندما يصعدون للفريق الأول يجب أن يكونوا مستوعبين مسبقًا لأسلوب الضغط والاستحواذ.”
ولخلق مساحة لهؤلاء الشباب، قلّص باريس سان جيرمان حجم الفريق الأول بشكل مدروس. وأوضح كامبوس:
“الأمر ليس هدايا. نعتمد على 14 أو 15 لاعبًا قادرين على اللعب في عدة مراكز، مع 6 أو 7 لاعبين من الأكاديمية يحصلون على مكانهم باستحقاق.”
ضرورة رياضية واقتصادية
يأتي هذا التحول في وقت تواجه فيه كرة القدم الفرنسية تحديات اقتصادية، أبرزها تراجع حقوق البث المحلي، ما يجعل تطوير اللاعبين داخليًا خيارًا محوريًا لباريس سان جيرمان.
واختتم كاباي حديثه قائلاً:
“هذه مجرد البداية. نحتفل بمرور 50 عامًا على تأسيس النادي، لكن ما نعمل عليه اليوم هو بداية مشروع أكبر بكثير.”









