تيري ديفيس وتيمبل أو إس: عبقرية مضطربة تحوّلت إلى مشروع تقني وإلهي فريد

في عالم التقنية حيث تسيطر الشركات العملاقة وأنظمة التشغيل المعقدة، تبرز قصة تيري ديفيس (Terry Davis) كواحدة من أكثر القصص إثارةً للحيرة والإعجاب والحزن، إذ جمع ديفيس بين عبقرية برمجية نادرة وصراع طويل مع مرض الفصام.
أسس ديفيس نظام التشغيل “تيمبل أو إس” (TempleOS)، بعد أن كرس أكثر من عقد من حياته لبنائه، مدعياً أن هذا النظام هو المشروع الذي أراده الله. ويحمل هذا المشروع وراءه قصة عميقة عن العزلة، والعبقرية، والتحدي التقني، في إطار مأساة إنسانية أثارت جدلاً واسعاً في أوساط التقنية والدين والمجتمع.
بدايات العبقرية
أظهر ديفيس منذ صغره شغفاً بالحوسبة، مستخدماً جهاز Apple II في المدرسة الابتدائية، وتعلم لغة التجميع Assembly عبر جهاز Commodore 64، واستمر في البرمجة طوال المرحلة الثانوية. حصل لاحقاً على البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية، وعمل في شركة Ticketmaster على تطوير أنظمة دفع وتذاكر متزامنة.
لكن خلف هذا المسار المهني، عانى ديفيس من صعوبات نفسية حادة، بما في ذلك نوبات اكتئاب وذهان، وشخصت حالته في البداية على أنها اضطراب ثنائي القطب، قبل أن يتم تشخيصه بالفصام. ومع تزايد المعاناة، بدأ يعتقد أن أجهزة الاستخبارات تراقبه، ووصل به الأمر إلى تفكيك سيارته بحثاً عن أجهزة تنصت.
مع الوقت، تحولت هذه النوبات إلى رؤى دينية، حيث صار يؤمن بأن الله يتحدث إليه مباشرة، ويُفهم أصواته كرسائل إلهية، معتقداً أنه مختار لبناء نظام تشغيل يتواصل من خلاله مع المستخدمين.
نظام تشغيل بإلهام ديني
لا يُعد “تيمبل أو إس” مجرد مشروع تقني، بل نتاج رؤية دينية، حيث تتخلله إشارات ومجازات روحية، مثل لعبة AfterEgypt التي تتطلب من اللاعب التحدث إلى الله بعد تجنب العقبات، وصولاً إلى “العليقة المشتعلة”.
صمّم ديفيس النظام بالكامل بنفسه، مستخدماً لغة HolyC التي ابتكرها، ورفض الاعتماد على مكتبات خارجية أو الاتصال بالإنترنت. تميز النظام بالبساطة والحرية المطلقة للبرامج، ما أتاح التفاعل المباشر مع العتاد، مع واجهة تشبه أنظمة DOS أو بيئة Turbo C، ودقة عرض 640×480 بكسل و16 لوناً فقط.
رغم بساطته، سمح النظام بإنشاء ألعاب ورسومات تفاعلية، مثل Castle Frankenstein وEagle Dive، وضم 121,691 سطراً من التعليمات البرمجية، ليكون إنجازاً فردياً مذهلاً يعادل أو يتجاوز بعض المشاريع البرمجية الكبرى من حيث الابتكار.
تحديات اجتماعية ونفسية
بعد اكتمال النظام، واصل ديفيس حياته بعزلة، منشوراته على الإنترنت مليئة بالمصطلحات الدينية المشوشة، وأحياناً ألفاظ هجومية، ما أدى إلى حظره على منصات متعددة، إضافة إلى فترات تشرد وسجن. توقف عن تناول أدويته، معتقداً أنها تحد من إبداعه، حتى لقي حتفه في حادث مأساوي صدمه فيه قطار.
إرث ديفيس
قصة تيري ديفيس ليست مجرد حكاية مبرمج أنشأ نظام تشغيل فريداً، بل هي رحلة إنسانية تجمع بين العبقرية والإبداع والاضطراب النفسي. ويظل “تيمبل أو إس” شهادة حية على العزيمة الفردية والمعرفة العميقة، ويعد أحد أكثر المشاريع التقنية إثارةً للجدل والإعجاب في آن واحد.