توقيع مذكرات تفاهم مع NMGP… مكسب موريتاني بأقل تكلفة

تقدّم المشاركة الموريتانية في مشروع أنبوب الغاز النيجيري–المغربي (NMGP) نموذجاً فريداً لما يمكن تسميته بـ «استثمار منخفض المخاطر عالي العائد الاستراتيجي»، حيث تُظهر التجربة أن الانخراط في مذكرات التفاهم وحده — حتى قبل بدء التنفيذ الفعلي — قادر على إنتاج مكاسب سياسية ودبلوماسية واقتصادية ملموسة، من دون تحميل البلاد أعباء مالية أو التزامات هندسية ثقيلة.
1. قيمة سياسية ودبلوماسية قبل القيمة الاقتصادية
المشاركة تمنح موريتانيا موقعاً تفاوضياً متقدماً في فضاء الطاقة الإقليمي، وتضعها لاعباً محورياً بين غرب إفريقيا والمغرب العربي والمتوسط، بما يعزز حضورها داخل تكتلات كـ الإيكواس ECOWAS ومنصّات التعاون المغاربي.
هذا الموقع الرمزي يمنح موريتانيا قدرة تأثير أكبر في ملفات الطاقة والتكامل الإقليمي، ويحوّلها من مجرّد بلد عبور محتمل إلى فاعل استراتيجي مطلوب في الحسابات الجيوسياسية للغاز.
2. تنويع الخيارات دون كلفة مباشرة
حتى لو لم يُنفذ المشروع في المدى القريب، فإن موريتانيا تستفيد من:
- تنويع مستقبل تصدير الغاز بعيداً عن الاعتماد على LNG وحده.
- امتلاك خيار احتياطي استراتيجي يتيح توجيه الغاز عبر أوروبا إذا تغيّرت خريطة الطلب العالمي.
- تعزيز قدراتها التفاوضية مع الشركاء الدوليين عبر وجود مسار بديل جاهز على الورق.
وبذلك يتحقق التوازن الذكي بين كلفة شبه صفرية ومكاسب محتملة واسعة.
3. ورقة قوة في سوق الطاقة الناشئة محلياً
بما أن موريتانيا تدخل حقبة إنتاج الغاز عبر مشاريع ضخمة كـ حقل GTA وبير الله، فإن انضمامها لـNMGP يعزز صورة البلاد كـ:
- مركز ناشئ للطاقة في الساحل وغرب إفريقيا.
- شريك محتمل لأوروبا الباحثة عن مصادر آمنة وموثوقة بعد اضطرابات أسواق الغاز العالمية.
- منصة عبور استراتيجية تجمع بين إنتاج غرب إفريقيا وموانئ عبور شمال إفريقيا.
هذا الرافد الرمزي يعني الكثير لبلد يتشكل دوره الطاقي حديثاً.
4. مشروع ذو زمن طويل ومخاطر عالية… لكن المكاسب السياسية فورية
يعتمد مستقبل المشروع على عوامل تمويلية وتقنية معقدة، أبرزها:
- الحاجة إلى استثمارات بمليارات الدولارات.
- تغير الطلب الأوروبي مع تسارع الطاقة الخضراء.
- تعقيدات الجغرافيا السياسية والبحرية.
وبالتالي، قد يستغرق التنفيذ الفعلي سنوات طويلة وربما عقوداً، ما يجعل المشاركة الحالية أقرب إلى صفقة سياسية ودبلوماسية رابحة أكثر من كونها التزاماً اقتصادياً حتمياً.
خلاصة التحليل
بالاعتماد على مذكرات التفاهم لا على المشاريع المنجزة، تمكنت موريتانيا من الحصول على:
- وزن دبلوماسي أكبر في سياسة الطاقة الإقليمية.
- مرونة في تسويق الغاز المستقبلي عبر خيارات متعددة.
- مكانة جيوسياسية متقدمة بتكلفة شبه معدومة.
- اعتراف دولي بها كلاعب استراتيجي ناشئ في سوق الطاقة.
وعليه، يمكن القول إن مشروع NMGP يمثل مكسباً موريتانياً مضموناً حتى في أسوأ السيناريوهات، ويُجسد نموذجاً مدروساً لإدارة الفرص الكبرى بأدنى مستويات المخاطرة.









