تنازل حامي الدستور عن استخدام لغة دستوره الرسمية في محفل دولي.. إلى ماذا يشير ذلك؟

في موقف أثار كثيرًا من الجدل الصامت، فضّل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الحديث باللغة الفرنسية خلال محفل دولي دعا إليه الرئيس الأمريكي، بحضور خمسة رؤساء أفارقة. اختيار بدا مفاجئًا في سياق يتطلب العكس، حيث كانت اللغة العربية، وهي اللغة الرسمية لموريتانيا، الأنسب والأكثر تعبيرًا عن السيادة والانتماء.
إن اللغة الرسمية ليست مجرد أداة تواصل إداري، بل تمثل هوية الدولة، وكرامة دستورها، وروح ثقافتها الجامعة. والتخلي عنها في مناسبة دولية، وفي حضرة رئيس لا يُعرف عنه كثير من الود للميراث الفرنسي في إفريقيا، يطرح تساؤلات عميقة: هل كان هذا التصرف بدافع البراغماتية الدبلوماسية؟ أم نتيجة عقدة ثقافية كامنة؟ أم أنه اجتهاد شخصي غير موفق؟
هل كانت هناك ضرورة دبلوماسية؟
يرى البعض أن الرئيس اختار الفرنسية لكونها لا تزال لغة النخبة في إفريقيا، وهي مفهومة لدى جمهور المؤتمر. غير أن هذا التبرير يضعف أمام عدة اعتبارات: أولها أن المؤتمر نُظم في بلد لا يُعير اهتمامًا كبيرًا للفرنسية، وثانيها أن العربية لغة عالمية معترف بها في الأمم المتحدة، وثالثها أن استخدام لغة الآخر في حضرة من لا يتكلمها قد لا يُظهر الاحترام بقدر ما يُظهر التبعية.
شعور بالنقص أم حسابات رمزية؟
في علم النفس السياسي، يُعد التخلي الطوعي عن رموز السيادة – ومنها اللغة الرسمية – نوعًا من “الخضوع الرمزي”، الذي يعكس خللاً في إدراك الذات الوطنية. وقد دأبت بعض النخب في موريتانيا على تقديم الفرنسية كلغة وجاه اجتماعي، متناسية أنها لغة استعمار وإقصاء ثقافي.
موقف الرئيس الأمريكي.. رسالة صامتة؟
لم يُبدِ الرئيس الأمريكي تفاعلًا لافتًا مع خطاب الرئيس الموريتاني، وكأن لسان حاله يقول: “من يحدثني بلغة خصمي الاستراتيجي، فلا يتوقع مني كثير ودّ.” وهنا يستحضر البعض من الذاكرة الشعبية الموريتانية حكاية طريفة: أن زنجياً أهدى لعربي ثوبًا فاخرًا، فلما أراد العربي الجلوس على مقعد متسخ، رفع الثوب عن إليتيه حتى لا يتسخ. فقال له الزنجي: “خير لم تَلقَه إليتك، فلا أطمع أنا به.” وهي حكاية تختصر ما قد يُفهم من هذا التنازل غير المبرر.
رسالة إلى من يهمه الأمر
ربما كانت الخطوة عفوية، وربما كانت بدافع الحذر الدبلوماسي. لكن الرسالة التي وصلت ليست في صالح صورة الدولة، ولا في صالح هيبتها الرمزية. على الرئيس، وهو الضامن للدستور، أن يكون أول من يترجم نصوصه إلى سلوك، لا سيما حين يتعلق الأمر باللغة الرسمية، وعنوان السيادة.
فاستخدام العربية في المحافل الدولية ليس ترفًا ولا تعصبًا، بل إعلان للثقة بالنفس، وتأكيد على الاستقلال الثقافي، ورسالة احترام للذات قبل أن تكون موقفًا تجاه الآخر.
موريتانيا ليست دولة صغيرة، وليست ملحقة ثقافيًا بأحد. والمأمول من قائدها أن يُجسّد هذه الحقيقة في كل محفل.
حمادي سيداتي آباتي