تعاون سوري-تركي لإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية وإحياء الخط الحجازي ضمن مشروع ربط إقليمي طموح

أعلنت دمشق وأنقرة عن إطلاق تعاون تقني لإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية في سوريا، يشمل إحياء الخط الحديدي الحجازي التاريخي، في إطار مساعٍ مشتركة لتعزيز دور النقل بالسكك الحديدية في ربط اقتصادات دول الإقليم.
وقال وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، إن المشروع يشكل ممرًا استراتيجيًا لنقل الركاب والبضائع، ويسهم في دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا بعد سنوات من الحرب. وتشير التقديرات إلى أن المرحلة الأولى من المشروع، التي تركز على تأهيل خط ميدان أكبس – حلب، ستتراوح كلفتها بين 50 و60 مليون يورو، علماً بأن الحرب دمرت نحو 50 كيلومترًا من هذا المسار الذي أنشئ عام 1908 كجزء من خط قطار الشرق السريع الممتد من برلين إلى بغداد.
ويرى خبراء أن إعادة تأهيل الشبكة السورية وربطها بالخطوط التركية تمثل خطوة مهمة نحو اندماج سوريا في المنظومة الإقليمية، وقد تشكّل نواة لشبكة ربط سككي جديدة، قد تنضم إليها لاحقًا دول عربية أخرى.
أضرار واسعة وخطة مرحلية لإعادة الربط
تعرضت شبكة السكك الحديدية السورية، التي تمتد بطول نحو 2552 كيلومترًا، لأضرار جسيمة خلال الحرب التي استمرت أكثر من 13 عامًا. ووفقًا لمدير عام الخطوط الحديدية السورية، أسامة حداد، فإن الأضرار طالت أكثر من 60% من الخطوط والجسور والمحطات، بينما تبقى حوالي 1050 كيلومترًا فقط صالحة للتشغيل الجزئي.
وتعمل المديرية، بالتعاون مع الجانب التركي، على خطة لإعادة تشغيل الشبكة من خلال مرحلتين: الأولى تشمل محور حلب – المسلمية – الراعي، والثانية تربط المسلمية بمحطة ميدان أكبس على الحدود التركية. وشهدت المرحلة الأخيرة ثلاثة اجتماعات تنسيقية بين الجانبين، آخرها في مايو/أيار الماضي، تم خلالها تقييم الأضرار والاحتياجات الفنية لإعادة التأهيل.
سوريا.. تاريخ عريق في السكك الحديدية
بدأت سوريا استخدام القطارات في وقت مبكر من القرن العشرين، حيث أُنشئ أول خط في عام 1894 بين دمشق ومحطة مزيريب جنوب البلاد، وتبعته خطوط حيوية أخرى ربطت دمشق ببيروت، ورياق بحماة، وحماة بحلب، وحمص بطرابلس.
وكان افتتاح الخط الحديدي الحجازي في عام 1908، الذي ربط دمشق بالمدينة المنورة، من أبرز المحطات في تاريخ النقل السككي العربي، حيث سهّل انتقال الحجاج وشكّل نموذجًا متقدمًا للنقل الإقليمي. إلا أن الحرب العالمية الأولى أدت إلى تدمير أجزاء واسعة منه، ولم تُستعد خدماته بشكل فعّال منذ ذلك الحين.
جهود إحياء الخط الحجازي
شهدت العقود الماضية محاولات عديدة لإعادة تشغيل الخط الحجازي، من أبرزها مؤتمر الرياض عام 1955، الذي جمع سوريا والأردن والسعودية، وأنتج لاحقًا هيئة عليا لإدارة الخط. وفي عام 1978، اتفقت الدول الثلاث على إنشاء خط عريض جديد، كما أعيدت دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع عام 2008، دون الوصول إلى تنفيذ فعلي.
في عام 2011، أعلنت تركيا خطة طموحة لإعادة تشغيل الخط، تضمنت مد خط سريع يربط إسطنبول بمكة المكرمة خلال 24 ساعة، لنقل أكثر من مليوني راكب سنويًا، إلا أن الحرب في سوريا حالت دون تنفيذ المشروع.
وتعمل مؤسسة الخط الحديدي الحجازي السورية حاليًا على خطة لإعادة تأهيل الخط بمرحلته الأولى، بالتعاون مع الأردن وتركيا. وقد أعلنت عمّان، في أبريل/نيسان الماضي، الانتهاء من أعمال المسح الفني للخط داخل أراضيها، تمهيدًا لإطلاق رحلات سياحية إلى سوريا، ضمن رؤية إقليمية متكاملة.
تعاون إقليمي متقدم وآفاق اقتصادية
أشاد مدير عام الخطوط الحديدية السورية، أسامة حداد، بالتجاوب التركي الذي وصفه بـ”النشط وغير المسبوق”، مؤكداً استعداد أنقرة لتقديم خبراء وفنيين ودعم تقني لتسريع وتيرة التأهيل. واعتبر أن هذا التعاون يحمل بعدًا استراتيجيًا في ظل مساعي تنشيط التجارة والسياحة بين سوريا ودول الجوار.
من جهته، أكد الدكتور محمد الوادي، الأستاذ في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، أن مشروع الربط السككي يحتاج إلى إصلاح إداري شامل وتحديث تقني يواكب المعايير الدولية، مشيرًا إلى أنه من شأن هذا المشروع تسريع النقل وتحسين جودة خدمات نقل البضائع والركاب، وتمكين الربط الدولي مع:
- أوروبا عبر تركيا والمرافئ السورية.
- الخليج العربي مرورًا بالعراق وسوريا.
- دول المشرق العربي عبر محور تركيا – سوريا – الأردن.
فرصة لربط شمالي-جنوبي
يرى الخبير في شؤون النقل، حسام الخجا، أن المشروع يشكّل فرصة استراتيجية لربط دول الخليج والمشرق العربي، في ظل تطلع شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية السورية. وأشار إلى أن النقل بالسكك الحديدية يوفر مزايا اقتصادية واضحة، من أبرزها انخفاض التكلفة بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بوسائل النقل الأخرى، وتوفير الطاقة بنسبة تصل إلى 60%.
ويُنظر إلى إعادة تأهيل الشبكة السورية وربطها بالمنظومة الإقليمية على أنها ليست فقط مشروعًا للنقل، بل مشروعًا لإحياء روابط تاريخية، وتعزيز فرص التنمية في مرحلة ما بعد الحرب، وفتح أبواب جديدة للتعاون الاقتصادي العربي والدولي.