اقتصاد

تركيا تُطلق أكبر حزمة تنظيمية للعملات المشفرة لضبط السوق ومكافحة التدفقات المالية المشبوهة

أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية عن دخول حزمة تنظيمية شاملة حيز التنفيذ، تهدف إلى تنظيم سوق العملات المشفرة في البلاد، في خطوة وُصفت بأنها الأوسع منذ بدء التعامل الرسمي مع الأصول الرقمية. وقد نُشرت تفاصيل هذه الحزمة في الجريدة الرسمية، وبدأ تطبيقها فعليًا مع نهاية الشهر الماضي، وسط تصاعد التداولات الرقمية على خلفية التحديات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.

أهداف الحزمة الجديدة

وأوضح وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك أن الإجراءات الجديدة تأتي في إطار سعي الحكومة لحماية النظام المالي من التدفقات المشبوهة، ومكافحة غسل الأموال والمراهنات غير القانونية، دون المساس بالأنشطة الرقمية المشروعة.

وقال شيمشك إن الحزمة تشمل فرض فترات انتظار تتراوح بين 48 و72 ساعة على بعض عمليات السحب، إضافة إلى ضوابط صارمة تتعلق بالكشف عن مصادر الأموال وأسباب التحويلات، مؤكدا أن الهدف هو مواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

دوافع القرار والسياق الاقتصادي

تأتي هذه الإجراءات وسط تحولات كبيرة في سوق الأصول الرقمية في تركيا، حيث دفعت تراجع قيمة الليرة وارتفاع التضخم عددا متزايدا من المواطنين إلى الاعتماد على العملات المشفرة كوسيلة للتحوط أو الاستثمار.

ووفقاً لشركة “تشين أناليسيس”، تجاوز حجم التعاملات المشفرة في تركيا 170 مليار دولار خلال عام 2023، ما جعلها تتصدر الدول الأوروبية من حيث حجم التداول، وجعل السوق التركية تحت مجهر الرقابة الدولية.

إلا أن هذا النمو تزامن مع تصاعد في حالات الاحتيال، واختفاء منصات تداول، وتدفقات مالية غير قانونية، وسط فراغ تشريعي حال دون قدرة السلطات على التدخل بفعالية.

خطوات سابقة نحو التنظيم

استبقت الحكومة التركية الحزمة الجديدة بسلسلة إصلاحات تدريجية، أبرزها:

  • ديسمبر 2023: إلزام المنصات بالتحقق من هوية المستخدمين في المعاملات التي تتجاوز 15 ألف ليرة (حوالي 377 دولاراً).
  • مارس 2024: أعلنت هيئة أسواق المال التركية معايير ترخيص جديدة للمنصات، تشمل شروطًا مالية صارمة بحد أدنى 150 مليون ليرة للمنصات التجارية، و500 مليون ليرة للمنصات الحافظة للأصول.

أبرز تفاصيل الحزمة التنظيمية الجديدة

  • إلزام المنصات بطلب معلومات مفصلة حول مصدر الأموال وأسباب التحويل قبل تنفيذ المعاملات.
  • توصيف نصي إلزامي مع كل تحويل رقمي، لتسهيل عمليات التدقيق والمراجعة.
  • فترة انتظار تصل إلى 72 ساعة على عمليات السحب من الحسابات الجديدة أو المشبوهة.
  • وضع سقوف لتحويل العملات المستقرة (مثل USDT) بمعدل 3 آلاف دولار يومياً و50 ألفاً شهرياً، مع إمكانية رفع هذه الحدود للمنصات التي تلتزم بقاعدة السفر الدولية (Travel Rule).
  • تطبيق إلزامي لقاعدة السفر، التي تتطلب تبادل معلومات دقيقة بين الطرفين في كل معاملة.
  • تقارير دورية إلزامية من شركات التشفير، تشمل تفاصيل دقيقة عن كل معاملة.

وأكدت الوزارة أن عدم الالتزام بهذه الإجراءات سيُعرض المنصات لغرامات قاسية أو سحب التراخيص.

ردود فعل الخبراء وتحذيرات السوق

حذر المحلل الاقتصادي حقي إيرول جون من أن القيود المشددة قد تدفع بعض المستخدمين إلى المنصات غير المرخصة أو السوق السوداء الرقمية. ودعا إلى توفير بدائل مرنة وخاضعة للرقابة للمستخدمين الملتزمين، وتقديم تفسيرات واضحة للرأي العام حول أهداف هذه الإجراءات.

من جهته، أشار الباحث الاقتصادي عرفان تشيليك إلى أن الشركات الكبرى مثل “BTC Turk” و”Paribu” ستكون أكثر قدرة على التكيف مع القواعد الجديدة، بفضل بنيتها التحتية القوية، في حين قد تواجه الشركات الناشئة تحديات كبيرة قد تؤدي إلى انسحابها أو اندماجها مع شركات أكبر.

ختام

تمثل هذه الحزمة جزءاً من استراتيجية أشمل لتعزيز الاستقرار المالي في تركيا، دون إغلاق الباب أمام الابتكار الرقمي. وتسعى الحكومة التركية إلى إيجاد توازن دقيق بين تشجيع التكنولوجيا المالية من جهة، وتحصين النظام المالي الوطني من المخاطر المرتبطة بالأصول الرقمية من جهة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى