تحقيقات

تحقيق تاريخي في سيرة “سيدة البير الأولى”: أد منت أحمد، قرينة الرئيس المؤسس المختار ولد داداه


في وثيقة نادرة، أعدّها الإعلامي والكاتب الراحل محمد الأمجد محمد الأمين السالم، وُضع بين أيدينا تحقيقا موثقا يعود إلى يناير 2015، أُنجز بعناية وموضوعية عالية، كاشفًا النقاب عن فصول منسية من حياة أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية، المختار ولد داداه، من خلال تسليطه الضوء على أولى زوجاته: السيدة أد منت أحمد، رحمها الله.

يُفصّل التحقيق، الذي ظل محفوظًا لعقد من الزمن قبل أن يُفرج عنه بعد وفاة كاتبه في 18 ديسمبر 2022، أحداث زواج الرئيس المختار بولد أحمد، والذي جرى في أحد أيام فبراير من سنة 1945.

وقد حضر مراسمه جمع من أعيان المنطقة، من بينهم إعل ولد أحمد، وبزيد ولد السالك (الترجمان)، وعبد الله ولد محمد مالك، وحم ولد كاعم، وأحمد ولد زمزم.

يستهل الكاتب تحقيقه بجملة تساؤلات حرّضت على التنقيب والتقصي، إذ يتساءل: “من المسؤول عن تغييب هذا الزواج من السردية التاريخية الوطنية؟ ولماذا هُمّشت هذه السيدة التي شاركت مؤسس الدولة الموريتانية مراحل مفصلية من حياته؟ ولمَ لم يذكرها هو نفسه في مذكراته؟”.

ويتابع التحقيق رصد تفاصيل الحياة المشتركة للزوجين عقب زواجهما، حيث سكنا في دارة محلية معروفة بـ”البراكة”، تقع في منطقة الثكنة المعروفة محليًا بـ”الباز”. وقد قام المحقق بزيارة الموقع الذي بات مجرد أطلال، ووصف بنيته الداخلية بدقة، مشيرًا إلى وجود صالون وغرفة ملحقة، ومرافق خدمية من غرفتين وخزان مياه تقليدي يعرف في المنطقة باسم “النطفية”.

ويُبرز التحقيق الملامح الإنسانية للعلاقة الزوجية بين المختار وزوجته أد، والتي تميزت بالتقدير والاحترام المتبادل، إذ لم يكن الرئيس يرد لها طلبًا، كما كانت لها مكانة خاصة جعلتها وسيطة في حل مشكلات الجيران والمحيطين بهم.

غير أن طموح المختار السياسي، الذي أخذ بالتبلور منذ عام 1946، حين بدأ يفكر في الترشح لعضوية الجمعية الوطنية الفرنسية، غيّر مسار العلاقة.

ومع انتقاله سنة 1947 إلى سينلوي في السنغال، بات واضحًا أن الحياة المشتركة لم تعد ممكنة.

فعلى الرغم من تمسكه بزوجته وعرضه مرافقتها له، أبت السيدة أد مغادرة وطنها ومسقط رأسها، مفضّلة البقاء في ربوع البير.

وقد أدى ذلك إلى توتر العلاقة بين الزوجين، ما انتهى، على مضض، إلى الطلاق بطلب منها.

وقد نقل التحقيق عن النائب البرلماني الراحل حمود ولد المالحه أن الرئيس المختار استجاب لرغبتها، وأرسل إليها رسالة الطلاق مصحوبة بمبلغ مالي يُعد محترمًا في تلك الحقبة، عبر شخصيتين وازنتين من أبناء البير هما أحمد ولد زمزم والمامون الجكني.

بعد الطلاق، تنقلت السيدة أد بين موريتانيا والجزائر، وتزوجت لاحقًا مرتين، إلا أن علاقتها مع زوجها الأول المختار ولد داداه لم تنقطع تمامًا. فقد ظل يكنّ لها الاحترام، ويقدم لها الدعم المادي عند الحاجة، كما حرص على زيارة أهلها وتفقد أحوالها كلما حلّ في المنطقة، محافظًا بذلك على روابط المصاهرة والمروءة.

وقد ختمت السيدة أد مسيرتها الحياتية بين بين أم اكرين وتنيدوف، قبل أن تستقر في مدينة الزويرات عند إحساسها بدنو الأجل. وهناك أسلمت الروح سنة 1993، عن عمر ناهز 85 سنة، ودُفنت في مقبرة المدينة، تاركة خلفها قصة إنسانية وتاريخية تستحق أن تُخلَّد في سجل الذاكرة الوطنية.

منقول عن الأخبار بتصرف في الصياغة


زر الذهاب إلى الأعلى