تبجيل الرؤساء.. هل يخدم التنمية؟

في بلد تعصف به الاختلالات البنيوية وتكاد تنعدم فيه مؤسسات الرقابة والمحاسبة، يصبح الاحتفال بذكرى تولي رئيس للسلطة مناسبة لتكريس شخصنة الدولة، لا لتقويم الأداء أو محاسبة التقصير.
إن حفل التكريم والمحاباة الزائد للرئيس الذي نظمه الحزب الحاكم في موريتانيا مؤخرًا، لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل كان تعبيرًا صارخًا عن أزمة قيم سياسية واجتماعية.
فبدل أن تكون المناسبة فرصة لتقييم منجزات رئيس الجمهورية بعد سنوات في الحكم، تحوّلت إلى عرض دعائي مُكلّف، تُستجلب فيه جموع الجوعى والمهمّشين مقابل دريهمات، في ممارسة تنزع عن “السياسة” شرفها، وتحوّل المواطنين إلى أدوات في مشهد عبثي.
هل يخدم هذا المشهد التنمية؟
الجواب ببساطة: لا. بل يعمّق التخلف. لأن التنمية لا تصنعها الجموع المستأجرة، بل تصنعها الإرادة السياسية، الشفافية، والحوكمة الرشيدة.
الرئيس الحالي، رغم ما قُدّم عنه من وعود في بداية مأموريته، لم يتمكن من القطع مع منظومة الفساد والمحسوبية، بل إن الكثيرين يرون أن النخب المحيطة به – وهي نفسها التي تآمرت على سلفه – تجرّه إلى نفس المصير. فهل يُعقل أن تتجدد هذه الحلقة دون مساءلة أو مراجعة؟
إن تعظيم المسؤولين والرؤساء، وسط صمت المثقفين وتواطؤ بعض النخب، يحوّل العمل السياسي إلى طقس عبودي، ويمنح الشرعية لأداء هشّ، دون إنجازات تذكر، ودون رؤية واضحة للخروج من عنق الزجاجة.
فكيف يُرجى من بلد أن يعبر إلى بر الأمان، حين تتحوّل قياداته إلى موضوع تبجيل، لا إلى موضع تقييم؟
وحين تُصنع الهالات حول الفرد، وتُختزل الدولة في اسمه، وتُكمم أفواه المراجعين والنقاد، فإن ما يُؤسَّس له في الحقيقة هو مزيد من التقهقر.
ما نحتاجه اليوم ليس احتفالات جوفاء، بل وقفة وطنية جادة:
تضع حدًا للمحاباة،
وتستعيد ثقة المواطن،
وتمنح الكفاءات مكانتها،
وتعيد السياسة إلى معناها النبيل: خدمة الصالح العام.
حمادي سيدي محمد آباتي